أخبار وتقارير

الهجرة النبوية الشريفة.. نقطة التحول الفارقة في تاريخ الإسلام وحضارته الرائدة

الهجرة النبوية الشريفة.. نقطة التحول الفارقة في تاريخ الإسلام وحضارته الرائدة

  مما لا شك فيه أن هجرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة حدثاً عظيماً تغير معه مجرى التاريخ البشري وبدأت منه نقطة البداية لبناء وتطور حضارة الإسلام

العريقة التي ذاع صيتها وتعاظمت قوتها وتوسعت إنجازاتها لتشمل المسلمين وغيرهم من الشعوب والأمم الذين دخلوا في الإسلام أفواجاً هرباً من الجور والظلم والاستعباد فكان لهم ما أرادوا بفضل رسالة الإسلام وعظمة المشروع القرآني.

ولقد تمثلت أولى خطوات انطلاقة هذه الحضارة الإسلامية العريقة التي نفتخر ونعتز بها وبما حملته للبشرية من خير وعدل وسلام وأمن وأمان مع ظهور نبوة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي ختم الله بها الرسالات فكانت رسالة الإسلام رسالة خير لخير نبي ولخير أمة وخير حضارة حددت مسارها الحضاري وفق منهج رباني أراده الله لعباده في الأرض كخير حضارة إنسانية وضع أسس مداميكها القوية والصلبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتكون حضارة مرموقة وعظيمة بعظمة أهدافها وقيمها ومبادئها.
إنها إرادة الله التي اقتضت أن تأتي بعثة الرسول الأعظم عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم في مكة لتكون سببا في نهاية عهد أقل ما يوصف به هو العهد الجاهلي وإيذانا ببداية عهد جديد قدر فيه للأمة الإسلامية أن تسود ولحضارتها أن تتسع وتنهض بالبشرية في كافة مجالات الحياة كما قدر فيه أن تكون مكة المكرمة بمكانتها الدينية ووجود البيت الحرام فيها مهداً وموطناً لدعوة الإسلام كما قدر أن تكون المدينة المنورة دار النصرة وعاصمة أولى لدولة الإسلام ومنطلقاُ لنشر الإسلام وتعاليمه السمحاء.
تعاظم الشدائد
هكذا شاءت إرادة الله أن تكون المدينة المنورة وأهلها مكاناً آمناً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين الأوائل الذين لجأوا إليها فراراً من بطش سادة قريش الذين أخذتهم العزة بالآثم فوقفوا في البداية موقف المعارض والمناوئ لدين الإسلام وتصدر سادة وزعماء بني عبد شمس المشهد المناوئ للإسلام لأنهم كانوا الأقوى ومن لهم المكانة والسيادة في مكة سياسياً واقتصادياً حيث اعتبروا أن مجيئ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أبناء عمومتهم فرع هاشم ذوي المكانة الدينية في مكة سيمثل تغييراً في موازين القوى حينها لصالح أبناء عمومتهم الذين ستتعزز مكانتهم السياسية إلى جانب مكانتهم الدينية وهذا سيكون على حساب مكانتهم في مكة ولذلك فقد تصدروا موقف الرفض والمواجهة لدعوة الإسلام وللرسول الأعظم عليه وآله أفضل الصلاة والسلام بمختلف الوسائل والأساليب فمن محاولات الإغراء بالسُّلطة والمُلك والمال إلى المساومة في الدين والإيذاء والسخرية والاستهزاء إلى الضغط والاتهام بالسحر والجنون إلى التعذيب ومحاربة الرسول عليه وآله أفضل الصلاة والسلام والمؤمنين لمنعهم من نشر دين الإسلام بشتى الطرق ومن أشدها وطأة الحصار الذي فرضته قريش على المسلمين وعلى بني هاشم خاصّةً في مكة والذي ضاعف من شدة المعاناة.
المدينة دار الهجرة
مع هذا الموقف المتصلب من قبل قريش وفي مقدمتهم بني عبد شمس كان لابد من البحث عن مكان آمن للمسلمين يحميهم من بطش وتعذيب قريش فكانت هجرتا المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة ليأتي بعدهما الأمر الإلهي بالهجرة إلى المدينة المنورة بعد أن وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها ملاذاً آمناً ولمس لدى أهلها قبولاً وترحيباً به والمسلمين بعد مبايعتهم له في بيعتي العقبة الأولى والثانية وهكذا هيأ الله لرسوله وللمسلمين مكاناً آخر بديلاً عن مكة لتكون داراً للهجرة ومستقراً مناسباً لبناء دولة الإسلام الأولى ومنطلقاً للدعوة ولنشر الإسلام في أرجاء المعمورة.
أما قريش فبمجرد سماعهم بأنّ الله أَذِن لنبيّه بالهجرة وبمبايعة أهل المدينة من الأنصار له على الموت في سبيل حماية دعوته اجتمع رؤساؤهم في دار الندوة وعقدوا اجتماعاً وقرروا قتله بعد أن اتّفقوا على أن يأتوا من كلّ قبيلةٍ برجلٍ يقف على باب بيته فإذا خرج ضربوه ضربة رجلٍ واحدٍ فلا تتمكن حينها بنو هاشم من المطالبة بالقصاص ويضيع دمه بين القبائل لكن هيهات لهم وما أرادوا حيث أطلعه الله بمؤامرة قريش وذلك في قوله تعالى: (وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتوكَ أَو يَقتُلوكَ أَو يُخرِجوكَ وَيَمكُرونَ وَيَمكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيرُ الماكِرينَ).
فلقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب – عليه السلام - بالنوم في فراشه وأن يبقى في مكة ليؤدّي الأمانات التي كانت عنده إلى أصحابها حيث أغشى الله النّعاس على فتيان قريش وانطلق صلى الله عليه وآله وسلم مهاجراً إلى المدينة بعد أن اتخذ كل التدابير ومتطلبات الرحلة ورغم أن قريش لم تكتف بهجرته صلى الله عليه وآله وسلم بل خرجت في ملاحقته وطلبه ورصدت مكافأة جزيلة لمن يلحق به لكن الله حماه وصحبه وحفظه فيما عاد فرسان قريش خائبين ليصل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- المدينة في الثاني عشر من ربيع الأول عام 622 ميلادية ليتغير مسار التاريخ ولتبداً مسيرة دولة الإسلام وحضارته الرائدة التي شع نورها ليعم أرجاء المعمورة عبر مسيرة حضارية إسلامية جعلت أمة الإسلام في طليعة الأمم وحضاراتها في طليعة الحضارات البشرية.
نتائج الهجرة النبوية
من أبرز نتائج الهجرة إلى المدينة المنورة إلى جانب أنها مثلت موطناً آمناً للرسول عليه وآله أفضل الصلاة والسلام وللمسلمين من بطش قريش ما يلي:-
- إقامة الدولة الإسلامية حيث توفر المكان الملائم والظروف المناسبة للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ومن معه من المسلمين الأوائل من المهاجرين والأنصار لتأسيس وإقامة دولة الإسلام التي تقيم الحقّ وتُحارب الباطل وتوحد المسلمين تحت راية واحدة ودولة واحدة تجمعهم وتحميهم وتنظم شؤون حياتهم.
- تأسيس وإقامة المداميك القوية والراسخة للمجتمعٍ المسلمٍ الواحد في دينه وعقيدته والذي قدر له أن يحمل رسالة الإسلام داعياً ومبلّغاً ومجاهداً فاتحاً لكافة أصقاع الأرض.
- بروز عظمة وفاعلية دور المسجد في حياة وفكر المسلمين كمكان لأداء الصلاة وإقامة الشرائع الإسلامية وإدارة شؤون حياتهم وعنوان لوحدتهم وتماسكهم ومنطلق للعلم والفقه والدعوة والجهاد.
- بناء قوة الدولة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية حيث استطاعت دولة الإسلام الأولى تحت قيادة الرسول الأعظم - بعد أن توحدت في ظلها غايات وأهداف المسلمين وإراداتهم وقيادتهم - بناء قوة الدولة في مختلف الجوانب وأصبحت دولة الإسلام مثالاً يُحتذى به في كافة المجالات وقد وصف الله -تعالى- ذلك المجتمع بقوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).
- تغيير موازين القوى لصالح المسلمين الذين كانوا بالأمس في مكة مستضعفين وفي بلاء شديد وبعد أن تركوا ديارهم وأهليهم وأموالهم التي هي أحب شيء إليهم حيث علا شأنهم في المدينة وأصبحت حياتهم حياة عز ومقام كريم يصدحون بالحق ويدافعون عنه بكل ما أوتوه من قوة كما أن المدينة المنورة التي لم تكن معروفة قبل الإسلام بشيء من الفضل غدت بالهجرة ذات مكانة وفضل ومزايا في الإسلام.
دروس وعبر
من أبرز الدروس والعبر التي نستفيدها من الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة ما يلي:-
- المشروع العظيم يكتب الله له النصر ويحقق له التمكين في الأرض لأن النصر مع الحق والعاقبة للتقوى وللمتقين وهذا وعد من الله لأوليائه.
- من يحمل مشروعاً عظيماً وأهدافا وغايات عظيمة لابد أن يكون في مستوى عظمة المشروع الذي يحمله وعليه الصبر والتحمل والثبات ومواجهة المتاعب والمصاعب مهما عظمت وعلى قدر الصبر والثبات يكون النصر والتمكين.
- تحقيق النجاح في أي عمل يقتضي من الإنسان الجمع بين التوكل على الله والاستعانة به مع الأخذ بكافة الأسباب الموصلة إليه.
- الإيمان بالله والثقة بنصره وتأييده تعزز من ثبات الإنسان المؤمن وقدرته على مواجهة الشدائد وتجاوز المواقف الصعبة والتغلب عليها فمن حفظ الله حفظه ومن كان مع الله كان الله معه.
- العفو عند المقدرة ومواجهة الإساءة بالإحسان قيم إسلامية سامية ترفع من شأن صاحبها وتعلي من قدره.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا