أخبار وتقارير

معركة بدر الكبرى ..  فاتحة الانتصارات للإسلام والمسلمين

معركة بدر الكبرى .. فاتحة الانتصارات للإسلام والمسلمين

العميد/ جمال القيز
مثلت غزوة بدر الكبرى علامة فارقة في التاريخ الاسلامي حيث انتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كفار قريش وكسرت شوكة الكفر وانتصرت راية الاسلام والمسلمين

وفي كل عام وتحديدا في الـ 17 من شهر رمضان المبارك تستوقفنا جميعاً احداث هذه المعركة الفاصلة بين الحق والباطل والتي سميت بالفرقان قال الله سبحانه وتعالى : {ومآ أنزلنا علىٰ عبدنا يوم الفرقان يوم التقى ٱلجمعان} [الأنفال: 41] صدق الله العظيم
من هذه المعركة الهامة في التاريخ الاسلامي حري بنا أن نقف امام احداثها لنأخذ منها الدروس والعبر كيف انتصر الاسلام رغم قلة المجاهدين الذي أيديهم الله بجنود من عنده وكيف كسرت شوكة الكفر وتلاشت بنصر الله وتأييده لعباد المؤمنين .
فمنذ ان ناصبت قريش الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله سلم) العداء حتى هاجر  وصحبه الى المدينة  واصبح الطرفان في حالة حرب ضمنية تمليها الرسالة الالهية وحق كالدفاع عن النفس من قبل المسلمين للحصار السياسي والاقتصادي اللذين شنتهما قريش على الدعوة الاسلامية الفتية ، واخذ الطرفان يتهيئان عسكريا وسياسيا واقتصاديا للقضاء على الطرف الآخر في حرب معلنة عندما يحين اوانها.
- لم تجر عمليات عسكرية ذات شأن طيلة التسعة عشر شهرا وهي الفترة الممتدة بين هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله سلم)  ومعركة بدر الكبرى.  
- دورية مقاتلة بقيادة حمزة بن عبدالمطلب موجهة  ضد قافلة قرشية ناحية الميص- على ساحل البحر الاحمر- بقيادة ابي جهل بن هشام لم يحدث قتال بين الطرفين لتدخل مجدى بن عمرو الجهني الذي قام بدور حمامة السلام بينهما.
- دورية قتال بقيادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم  الى منطقة(ودان)  ايضا لم يحصل  اشتباك خلالها ولكنها أسفرت عن عقد معاهدة عدم اعتداء مع قبائل بني ضمرة بن بكر.
- دورية استطلاع صغيرة بقيادة عبدالله بن جحش في شهر رجب من السنة الثانية وجهها الرسول(صلى الله عليه وآله سلم)  لرصد طريق مكة الطائف، الا ان الدورية هاجمت قافلة للمشركين وقتلت احد عناصر حمايتها هو عمرو بن الحضرمي – اول مشرك يقتله المسلمون غضب الرسول (صلى الله عليه وآله سلم) لذلك لان لا قتال  في الاشهر الحرم واستغلت قريش ذلك للتشهير بالمسلمين ، الى ان انزل الله بآياته المحكمات اباحة قتال المشركين في اي زمان ومكان.
- ايقن مشركو مكة بعد نشاطات الدعوة الاسلامية الآنفة الذكر ايقنوا مدى الخطورة التي تتهدد شريان تجارتهم وحياتهم مع بلاد الشام نظرا لموقع يثرب وسيطرتها على تلك الطريق ، وهكذا دنا موعد نزاع مسلح دام بين الخير والشر بين الكفر والايمان بين الظلمات والنور النزاع الذي بدأ منذ بدء الخليقة النزاع الحتمي في كل زمان ومكان.
- لهذا كان كل من الطرفين يستمد ويخطط للقضاء على خصمه بدأت في هذه المرحلة سلسلة من المعارك كانت غزوة بدر الكبرى فاتحتها.
- وردت معلومات للرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) عن قيام قافلة تجارية كبيرة لقريش برحلة الى بلاد الشام تحت قيادة ابي سفيان زعيم قريش وحين همت القافلة بالعودة ارسل الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) دورية استطلاع مؤلفة من طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد الى الحوراء لرصد القافلة وتقصي اخبارها ، كانت هذه القافلة من أكبر القوافل القرشية حيث كانت محملة ببضائع حمولة الف بعير وقدرت قيمتها بخمسين الف دينار يحرسها سبعون رجلا كانت الاموال مشتركة بين معظم رحالات قريش البارزين.
- أدرك ابو سفيان ، كما يبدو الخطر الذي ينتظر قافلته نتيجة عمليات التعرض الاسلامية عند مرورها بالقرب من المدينة لذلك ، وقبل وصوله الى مواطن الخطر ، وجه احد رجاله الى مكة طالبا الاسناد الكافي لحمايتها، وتمكن ابو جهل من حشد 950 مقاتلا تقريبا لحماية تلك القافلة.
- اما المعسكر الاسلامي فقد امر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتطوع للقتال مبينا للمسلمين قيمة القافلة المادية وعدد قوة حمايتها ، فلم يتطوع الا عدد قليل ظنا منهم ان هذا العدد كافيا لمعالجة العدو ، فقد تجمع313 رجلا منهم 83 من المهاجرين و61 من الاوس و170 من الخزرج ربما لم يصل للمسلمين نبأ الحشد القرشي وهذا ما يفسر ترك الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الخيار للتطوع بدلا من التعبئة العامة.  
- خرج المشركون من مكة بقيادة ابي جهل لمساندة ابي سفيان ، وما كادوا يسيرون بضعة ايام حتى عرفوا ان القافلة استطاعت التملص من قبضة المسلمين ، كما ان الاخبار وصلتهم من ابي سفيان ان ليس هنالك ما يبرر خروجهم ، الا ان ابا جهل أبى العودة وقال “ والله لا نرجع حتى نرد بدر فنقيم فيه ثلاثا ننحر الجزور نطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبسيرنا وبجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا“ وهذا القول يؤكد أن أبا جهل اراد استغلال المناسبة لضرب المسلمين ضربة قاصمة الى الابد.
- اما الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وصحبه فقد خرج من المدينة في الثامن من رمضان من السنة الثانية للهجرة  بعد أن أمر بقطع الاجراس من اعناق الابل.
- عين الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الزبير بن العوام قائدا للميمنة والمقداد بن عمرو الكندي قائدا للميسرة – وهما الفارسان الوحيدان في الحملة ، اما راية المسلمين العامة فقد اعطيت الى مصعب بن عمير بن هاشم القرشي.
- سلك رتل القوة الاسلامية طريق القوافل التجارية بين المدينة وبدر والبالغ طوله قرابة 160 كم وقد وزع الرسول(صلى الله عليه وسلم) الابل المتيسرة وعددها سبعون بعيرا على رجاله وكان نصيبه مع الإمام  علي بن ابي طالب كرم الله وجهه  ومرثد بن ابي الغنوي بعيرا واحداً يتعقبونه، وهكذا ضرب الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) المثل الاعلى للقائد العسكري الذي يشاطر جنده التعب والسهر في السراء والضراء مما كان له أكبر الاثر في رفع الروح المعنوية والاستعداد للاقتداء  بقائدهم فالمهج والارواح اعز ما يملكونها بنو البشر.
- انطلق الرتل مسرعا للحيلولة دون تملص قافلة قريش، فلما وصل الرتل  (وادي ذفران)  جاءهم خبر خروج جموع قريش لإنقاذ قافلتهم بقوة لم يسبق لمكة ان حشدت مثلها من قبل  ، طلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مشورة اصحابه كعادته دائما وكعادة القادة الواعين ، فدعوه المهاجرون بالاستمرار بحملته، لكنه رغب سماع رأي الانصار الذين اووه واووا من هاجر من مكة معه فقام سعد بن معاذ سيد الانصار وقال “ لقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا ان ما جئت به هو الحق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة ، فامض يارسول الله لما أردت ، فو الذي بعثك بالحق، ان استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك الخ… ..
-    كان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة مراحل تحركاته يبعث العيون امام القوات بمسافات طويلة لتقصي المعلومات خوفا من المفاجأة ووقوع القوة في مهالك ومخاطر لم يحسب حسابها ولقناعته الرسول صلى الله عليه وآله  وسلم  بأهمية تأمين الحماية للقوة قبل الاشتراك في القتال الفعلي وكثيرا ما كان هو نفسه يتقدم القوات مع دوريات الاستطلاع لتقصي المعلومات تمهيدا لوضع خططه على اساسها.
-    وصل ركب قريش بقيادة ابي جهل بدرا ونزلت القوة في ثنايا التلال الغربية من الوادي لإعادة التنظيم والتهيؤ للقتال المقبل  وكانت قوتهم مؤلفه من ٩٥٠ مقاتلاً تقريبا من بينهم100 فارس و350 بعيرا.
-    وبعد ان عدل الرسول صلى الله عليه وآله و وسلم  الصفوف وهيأها للقتال اصدر اوامره الى الجيش  بأن لا يبدأ القتال حتى يصدر  الاوامر منه وقال لهم “ ان اكتنفكم العدو ( اي احاط بكم)  فأنضحوهم بالنبل، يتضح هنا ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ موقف الدفاع سلفا نظرا للتفوق الساحق الذي يتمتع به العدو وهو 1:2 في القوة البشرية فقط عدا عدد الرسان للقرشيين الـ100 مقابل فارسين فقط في صف المسلمين.
- بعد ان تهيأ الطرفان استعدادا لبدء القتال وقف رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا في المسلمين وقال «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر الا ادخله الله الجنة» وهنا ظهر مثال حي  للإيمان العميق فقد كان العمير بن الحمام – احد جنود المسلمين – يهم في اكل تمرات كانت بيده ، لكنه بعد سماع ذلك قال :" بخ بخ فما بيني وبين الجنة الا ان يقتلني هؤلاء " وهجم على المشركين وقاتل حتى اسلم الروح لبارئها.
- بدأت المعركة صباح يوم الجمعة 17 رمضان السنه الثانية للهجرة الموافق 15 كانون ثاني سنه 624م ، وكان أول وقودها المشرك الاسود بن عبد الاسد المخزومي الذي تقدم لهدم حوض ماء المسلمين فبرز من بين الصفوف ووجهته الحوض فتلقفه حمزة بن عبدالمطلب وعاجله بضربة من سيفه قضت عليه.     
- بعد ذلك انبرى ثلاثة من صناديد قريش ومن عائلة واحدة وهم:  شيبه بن ربيعة  وعتبه بن ربيعه وابنه الوليد وكلهم من ابناء عبد مناف جد الرسول، فسارع بالخروج اليهم ثلاث فتية من الانصار الا ان الكفرة الثلاثة اصروا على مبارزة ثلاثة من المهاجرين اندادا لهم ، فأمر الرسول صلى الله عليه وآله  وسلم  حمزة وعبيدة بن الحارث وعلي بن ابي طالب  وكلهم من ابناء عبد مناف ، فخرج هؤلاء في الحال ونشب الصراع بينهم ازواجا علي والوليد ، وعبيدة وخصمة فقد تبادلا ضربتين مميتتين ، أخلى عبيدة بعدها الى معسكر المسلمين من قبل حمزة وعلى ما لبث ان فارق الحياة وعاد الى جوار ربه.
- بعد فترة حدة هجمات المشركين اصدر الرسول صلى الله عليه وآله  وسلم  الأمر ببدء الهجوم الاسلامي المعاكس الذي بدأ بعنف وتصميم ، بينما كانت المعركة محتدمة  والمقاتلون يتلظون بنارها كان الرسول صلى الله عليه  وآله وسلم  يرقب يسأله جنوده في اشفاق ورجاء ، وما هي الا لحظات حتى التحم وحرسه بالمعركة وكان في مقدمتهم يثب وثبا وهو يقول " سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة ادهى وأمر" ثم اخذ حفنة من الحصبان ورشق بها الكفار ويقول " شاهت الوجوه" وامر رجاله بالانقضاض على الاعداء وهم يصيحون احد… .احد ايمانا بوحدانية الله وجبروته وقوته ، كما ان هذا القول كان كلمة التعارف بين المسلمين.
- وجه المسلمون جل اهتمامهم الى سادات قريش وقادتها يريد استئصالهم فقتل منهم عتبه بن الوليد واخوه وابنه واميه بن خلف وغيرهم فاختلت صفوفهم وكسرت شوكتهم ودب الفرع بين الصفوف.  تلقى ابو جهل وهو يعاني سكرات الموت ضربة ثانية من معوذ بن عفراء واخيرا مر به عبدالله بن مسعود فوضع رجله على عنقه وقال له " اخزاك الله يا عدو الله" فأجابه ابو جهل وهو في اخر رمق من حياته " لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا رويعي الغنم" وماهي الا بعض اللحظات حتى فارق الحياة الى جهنم مثوى المتكبرين .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا