جرة قلم 20
غالية حمود الحمادي
عندما يجـلس الإنسان مع نفسه ويراجع دفاتــر أيامـــه يجـد فيها أشكالا وألوانا من البشر منهم من مد له يـدا تنقذه في ساعة محنة ومن دفعـه بأخرى إلى مصير مـؤلم.
سوف تكتشـف وأنت تراجع دفاتر أيامك أن هنـاك من غرس في أرضك شجرة وأن الشجرة كبرت وصار لها ظلال وثمار.. وستكتـشف أن هناك من غـرس في قلبك سهما..
البعـض يترك لك رصيدا غاليا من الذكريات كلما تلتـفت حولك وجدت منـه دائماً شيئاً، جميلاً يحيط بك.. والبعض الآخر لا يترك لك سوى الأسى ولهذا لن يكون غريباً عليك أن ترحل من ذاكرتك عشرات الوجـوه وتختفي عشرات العناوين و تتلاشى ملامح كثيرة.. لكن تبقى أمامك بعض الوجوه التي لا تفارق عينيك أبدا.. والتي كلما تذكرتها ابتسمت..
غريبة حياتنا وغرباء نحن فيها وهكذا سنظل وإلى الأزل فهذا حكم القدر.. وما علينا إلا الصبر.. أحلامنا كبيرة وكثيرة.. وأيامنا قصيرة مريرة تمر علينا أشياء غريبة..
نحاول الهروب من أنفسنا من كل شيء حولنا وخطى الأيام سريعة، وأيامنا في الدنيا قليلة.. وحين نكبر تعلن حياتنا النهاية.. نتذكر أيام الحب والحرمان والبداية أيام الشباب..
نتذكر كل الحكاية.. وفي لحظة ما من رحلة عمرنا يأتي النداء من السماء ويرتفع البكاء ويصل القطار لنهاية المشوار.. وتضحك الأقدار..
مشاغل الحياة تمنعنا أحياناً عن التواصل مع من نحب لكنها لا تمنعنا أبداً عن التفكير فيهم في أدب العلاقات والتماس الأعذار للآخرين.
يقول مصطفى محمود:
لو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه
ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.
ولما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور::
ويقول الرافعي.
في كل إنسان تعرفه إنسان لا تعرفه..
قمة الجمال
أن تـكون عـفويا دون أن تتصنع
أينما تـحل يحل الطيـب و الجـمال والزهـر
كن جمـيلا فـي كل شيء
صداقتك، حبك، أخلاقك، تعاملك
حـتى فـي البـعد كن جـميلًا
يكفيك مـن هـذه الدنيـا أن يتذكرك أحدهم في مكان مـا مـن الـعالم ثـم يبـتسم
ويكفي ان تكون ذكرى طيبة فـي القلوب..
ونظل نحن لغزاً في هذه الحياة
نحن الذين لا يظهر على ملامحنا إلا الهدوء
نحن الذين لا نلجأ لأحد حين نشعر بالحزن
ونتداوى ذاتيا مهما تألمنا
نحن الذين لا نستسلم لمرارة الايام
نتقبل كل ما يجري بصمت
ثم نكمل طريقنا بسلام والسلام لأرواحنا
حين يغيب عن حياتنا السلام
تشابهت الأيام.. تشابه الناس.. فلم يعُد يهمّنا من بقيَ ومن رحل، تشابهت الوجوه من حولنا، العلاقات، المشاعر، حتى الآلام والصدمات والخيبات تشابهت فلم تعد تحرك بداخلنا أي ساكن، بل أصبحنا نتوقّعها في أي وقت ومن أي شخص مهما بلغت مكانته في قلوبنا، تشابهت مشاعرنا فحل الضحك مكان البكاء، صرنا نضحك من شدة بؤسنا ونبكي حين يداهمنا الفرح ، ضائعون وسط التشابهات.. لا نميزها كلها، لا ننجذب لأي منها ولا ننفر أيضاً، لقد طمست كل متعة ونزعت كل لذة وقتلت كل رغبة وأحبطت كل محاولة...
قد نلتقي بأرواح في هذا العالم
ولا يكتب لنا رؤية ملامحها
ونحب كلمات مست قلوبنا
دون ان نعرف كاتبها
قد نبكي مع عيون لم ترها أعيننا
وقد نفرح لفرح قلوب نثرت بسمتها أحرفا
ويبقى احترام الروح أسمى عناوين المحبة الطاهرة..
هناك أحاسيس ليست لنا القدرة عن التعبير عنها بالكلمات..
وهناك كلمات لا تعبر عن أحاسيسنا أبدا..
وجميلة هي تلك اللحظات
التي تسافر فيها عقولنا إلى من نحب
رحلة تبدأ بذكرى وتنتهـي بابتسامة
عندما تكتب كلمات يراها البعض جميلة
ويراها البعض معبرة ويراها أخرون بلا معنى
لكنك أنت الوحيد الذي تعلم عندما تكتبها
ماذا يوجـد وراء كواليسها
نحن لا نكبر..
نحن نخلع رداء الطفولة الشفاف ثم نخبئه في صندوق عمرنا المقفل..
حتى إذا ما التقينا بمن نحب أن يرى أرواحنا كما هي عفوية وساذجة،
لبسنا الطّفُولة القديمة وعُدنا صغارا نركض في شوارع الزّمن
مفعمين بما يسكبه الحب فينا من شغف وشغب.