كتابات | آراء

الرياض.. حسابات الطيش وأضغاث أحلام بن سلمان (2 – 2)

الرياض.. حسابات الطيش وأضغاث أحلام بن سلمان (2 – 2)

الضربات المتتالية التي تعرضت لها "الرياض" من أحداث اليمن وبالتحديد من قيادة صنعاء أفقدتها توازنها.. وأصابتها في مقتل..

فهذه العاصمة التي اعتادت أن تدير صراعاتها بوكلاء تحولت إلى عاصمة مضطربة ومنها كانت تصدر مواقف مكشوفة جعلها تتحمل بصورة مباشرة أوزار القتال والمواجهة في اليمن ومنها صدرت قرارات متناقضة حول الحرب في اليمن.. بل إن قائدها الشاب صاحب رؤية (20 – 30).. أو ما اصطلح على تسمية مطلق الطاقات في مملكة آل سعود وكان ينظر إليه بأنه المجدد.. ووجد دافعاً وإغراء من تيارات غربية في إحداث متغيرات بنوية في المملكة وبالفعل بدأ حراكا ركز على القشور فأطلق للشباب والشابات فرصة الانطلاق بمظاهر شكلية بدأت بإعطاء الفرصة للمرأة بقيادة السيارة ثم شهدنا بعض فلسفات أولئك الشباب في مهرجانات الاحتفالات الماجنة التي جعلت من الرياض وجدة مرتعا للترفيه والاحتفالات والمظاهر الباذخة والصادمة مرورا "بالخمر الحلال" وتواصلا إلى منع العمرة والحج الا "بضوابط" ظاهرها مخافة الكورونا وباطنها ضرب المعتقد الديني ومظاهر الشعائر الإسلامية من حج وعمرة في مقتل..
ففي الوقت الذي يجري حشد الآلاف لإحياء فعالية تكريم الفنانة اللبنانية المثيرة نجوى كرم دون أي اعتبار أو مخاوف من كورونا وعدواها.. ويبدو أن هذا الفيروس القاتل قد تعاقد بصورة سرية لإصابة حشود الحجاج والمعتمرين بفيروس كورونا.. فيما هو لا يقترب كثيراً من حشود المحتفلين في حفلات "الترفيه" في مملكة آل سعود الأهم في هذا الأمر أن الشاب محمد بن سلمان صاحب رؤية (20 – 30) التطويرية للمملكة قد وقع في أخطاء مخاتلة.. بدءاً من الاغتيال المريع للصحفي جمال خاشقي بتلك الصورة الدرامية المؤلمة والوحشية ووصولاً إلى الورطة الكبرى بغزو اليمن وتدخله السافر فيها وتوحشه ضد أطفال اليمن وضد العجزة والنساء.. لكنه في ميادين القتال ضد المقاتلين اليمنيين الأشداء فإنه أعجز من نعامة وأذل من ثعلب وأضعف من دجاجة..
وبحسب مراقبين وحسب دراسات عسكرية فإن صورة الرياض قد تمرغت في أوحال الهزائم والانكسارات على يد أبطال اليمن.. وتعرضت المملكة ومواردها ورؤيتها الجديدة للصدمة وتحولت إلى مجرد هامش فموازناتها المالية طوال السنوات الست الماضية تسير وفق تقييم سلبي وعجز دائم, وهذا ما فرض على الحكومة السعودية الافتراض من الخارج.. وربما في السنوات القادمة ستكون النتائج على مملكة الشاب الجامح محمد بن سلمان كارثية, لأنه يفتقر إلى الحكمة وإلى التروي وتقوده أهواؤه أكثر من حسابات إدارة دولة!!..
الشيء الأبرز في الإدارة الجديدة لهذا الأمير الجامح والمغامر الذي تطلب أمر بقائه في ولاية العهد أن يسارع إلى إزاحة نصف أمراء الأسرة الحاكمة والدفع ببعضهم إلى التوقيف, وإلى وضع عدد من القيادات المخضرمة من الأسرة المالكة تحت الإقامة الجبرية وتحت يافطة مكافحة الفساد بسط على موار وأموال كثيرين, وعلى فرض ضرائب جديدة.. وإلى ابتداع وسائل جباية متعددة وأنماط غرامات أثقلت كاهل المواطن في المملكة وأضافت عقبات أمام رجال الأعمال وأمام الحركة التجارية والصناعية.. وهذا ما دفع المتشائمين من أبناء المملكة إلى المزيد من التشاؤم والمخاوف من تهور الملك المنتظر في محطة ولي العهد.. الذي تشير متغيرات السنوات القادمة إلا أن طريقه إلى كرسي الحكم محفوف بمخاطر وتطورات غير مسيطر عليها..
ولذلك فإن القرارات السعودية التي يمكن أن نسميها الاستراتيجية افتقرت إلى الثبات والى التوازن.. وشابها الاضطراب والتناقض فإدارة الحرب العدوانية في اليمن كانت الإمارات ومحمد بن زايد يعصف بالكثير من إجراءات السعودية ومن قراراتها وتحديداً في المحافظات الجنوبية المحتلة..
ففي سقطرى دفعت الرياض بما يسمى قوة الواجب إلى حديبو ومناطق أخرى في الجزيرة, لكن السيطرة المتفردة كانت لأبوظبي, والكلمة الأولى لمحمد بن زايد.. حتى عندما طردوا القوات المحسوبة على "الشرعية" شرعية الإصلاح ظل القرار السعودي قاصراً ومحدوداً وظلت قوة الواجب شاهد زور في الجزيرة.. فيما قوة الانتقالي المدعومة إماراتياً هي صاحبة الصوت الأقوى والأعلى.. حتى بسطوا سيطرتهم الكاملة على الجزيرة وبدأ محمد بن زايد يظهر انه "الحاكم" الأوحد في سقطرى وفي عدن المدينة والمحافظة وفي بعض مناطق لحج.. وله نفوذ طاغ في حضرموت عبر النخبة الحضرمية وفي شبوة كانت النخبة الشبوانية أداة بن زايد نحو الاستحواذ على الثروة قبل أن تزيحه قوات الإصلاح من شبوة..
والإشكالية التي ظهرت إلى العلن أن محمد بن سلمان بدا تابعاً لمحمد بن زايد.. حتى عندما فرضت الرياض ما أسمي حينها اتفاق الرياض.. عاد محمد بن زايد ليعصف بالاتفاق ويفرغه من مضمونه وأوعز لرموزه في الانتقالي بأن يرحلوا حكومة معين.. ويذهب باتفاق الرياض إلى هامش الهامش..
وعندما اشترطت الرياض إبعاد عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك, ويسران المقطري وشلال شايع.. عادت أبوظبي وأرسلت عيدروس الزبيدي إلى عدن, وأرسلت شلال علي شايع وأسرعت إلى استصدار قرار من الانتقالي بإسناد مهمة إدارة قوة أمنية معنية بمكافح الإرهاب إلى شلال هادي..
وهذا يعني أن اتفاق الرياض الذي رعاه بن سلمان أصبح لا يساوي حتى الثمن الزهيد للحبر الذي كتب به هذا الاتفاق.. وهذه دلالة على أن أبوظبي لا تريد وإن بدأت الرياض تدرك أن أبوظبي أصبحت صاحبة الكلمة الأولى في عدن وفي غيرها من مناطق الجنوب سارعت إلى إرسال قوات سعودية إضافية إلى عدن عبر منفذ الوديعة.. وكذلك عبر النقل العسكري عبر مطار عدن, وعبر مطار معسكر العند.. وعبر ميناء الزيت في البريقة, إلا أنها جاءت خطوة متأخرة.. كما ظهر ضعف الرياض عندما أوعزت أبوظبي لوكيلها "مختار النوبي" لإطباق حصار على القوات السعودية في البريقة.. والاستعداد للانقضاض عليها.. مما جعل القيادة السعودية تسارع في التودد لمحمد بن زايد, وأطلقت يده لمزيد من تسليح لقوات الانتقالي الذي أصبح يملك طائرات "الدرونز" التي تنفذ طلعات وبعض الغارات الضرورية ضد قوات الإصلاح وقوات الفريق علي محسن الأحمر في أبين وشبوة.. وإجمالاً.. القرار السعودي لأول مرة يتعرض للتحدي, ولأول مرة تظهر هشاشة المملكة ولأول مرة تعيش الرياض تعرضها للاضطراب والاهتزاز..
أحدهم قال أن الصراع بين الرياض وأبوظبي هو "صراع وكلاء" ويبدو أن محمد بن زايد له الحظ الأوفر لدى واشنطن ولندن ومن خلفهما تل أبيب.. لأنه الأكثر جرأة على التطبيع العلني والوقح مع تل أبيب أكثر من محمد بن سلمان الذي لا يعترض على سياسة التطبيع, ولكنه يفضله أن يكون تطبيعاً من تحت الطاولة..
ومن هذا المنطلق.. فإن الرياض هي الأقل حظاً في حسابات المنطقة خلال الفترة القادمة.. والطريق يتم إفساحه لمحمد بن زايد.. المطبع الأكبر.. والمنبطح الأشد اندفاعاً نحو حسابات مراكز النفوذ الدولي في واشنطن ولندن وتل أبيب.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا