كتابات | آراء

فقيد الوطن الدكتور الشامي..أحبَّـه الله فأحبَّـه الناس

فقيد الوطن الدكتور الشامي..أحبَّـه الله فأحبَّـه الناس

أعترف أولاً أنني لستُ في مستوى القدرة على البناء بالحروف والكلمات مقال رثاء يليق بمقامه السامق، ولا في مستوى القدرة على إجمال مواقف وذكريات علاقة الأخوة والصداقة الطيبة

التي ظلت عراها تتوثق أكثر وأكثر مع كل اتصال هاتفي أو تواصل عبر مواقع التواصل الإجتماعي وكذا في كل لقاء من لقاءاتي المتكررة به.
ولذا فقد تردّدتُ كثيراً في كتابة هذه المقالة المتواضعة والمُخَلِّدة للنزر اليسير من فيض عطائه الزاخر وصفاته وسجاياه النادرة وقيمه ومبادئه الشريفة وأخلاقه الحسنة.
كنتُ كلما هَمَمْتُ أو فَكَّرتُ بالكتابة، أجد نفسي متجمداً عاجزاً، يحبس الأنين والألم حروفي، وتعصف بي رياح الأسى والأسف لرحيله وتواريه خلف غياهب الموت، على ذلك النحو المفاجئ والصادم.. غير أنّني وبعد طول تردد وجدتُ في ذلك العجز، سبباً لتجدد واستمرار شعوري بالحزن والألم الشديد لرحيله دون وداع، فقررتُ تجاوز مأزق العجز عن الكتابة بالارتجال لهذه السطور والأحرف والكلمات المتواضعة.. إنه الأخ والصديق العزيز المرحوم والمغفور له بإذن الله الدكتور علي عبدالقادر الشامي نائب عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء.
نعم.. كان تصديق خبر وفاته ورحيله المفاجئ بالنسبة لي أمراً صعباً عجزت مداركي عن استيعابه، بل كان أشبه بصوت صاعقة رعدية نزلت قريبة أشد ما يكون القرب مني فأفقدتني توازني وأصَمَّتْ أذناي وزلزلت كياني.
ولا عجب في ذلك ما دام خبر الرحيل والفقدان متعلق بصديق صدوق وأخ كريم، طالما صال وجال بوعيه الكبير وفكره المستنير في ميادين العطاء الوطني والإنساني والديني الزاخر والمتميز بالإبداع وكانت آخر لحظات تواصلي معه واطلاعي على منشوراته ومقالاته المعبرة والمجسدة لحقيقة حبه لله وتعلقه بآيات كتابه الكريم قبل سويعات قليلة من إعلان خبر وفاته..  لكنها إرادة الله شاءت أن يترجل ذلك الفارس من على صهوة جواده وأن يتوارى نجمه المتوهج في سماء الوطن لتنتقل روحه الطاهرة إلى بارئها في دار الخلود الأبدي، بعد حياة مفعمة بالبذل والعطاء في سبيل الله والوطن والشعب.
غادر فقيدنا رحمه الله دنيانا الفانية وترك خلفه إرثاً من الأعمال الصالحة والسيرة العطرة والذكرى الطيبة والبصمات الجميلة التي فاحت اليوم في قلوب أقربائه وزملائه وطلابه ومعارفه لتذكرهم بقيمة رجل صادق ونبيل مثَّل رحيله خسارة كبيرة لهم بشكل خاص وللوطن والشعب والتعليم الأكاديمي بشكل عام.. كيف لا؟! وقد حمل ذلك الإنسان البهي والتقي والنقي بين جنبيه قلباً محباً لكل بني البشر من حوله، يتمنى ويرجو لهم الخير والصلاح في كل أمور حياتهم.
إنه القلب العامر بالإيمان، والعقل المفعم بفكر البيان والإفهام، واللسان الناطق دوماً بدرر الكلام الذي لا تمل من الاستماع إليه؟ لأنه كلام التعبير عن حبه للإنسان ومناقشة قضايا المجتمع بموضوعية وصدق ومحاولة الإسهام في إصلاحه من خلال تقديم الحلول والمقترحات المعززة بآيات من كتاب الله الكريم.
لقد تفرد الفقيد رحمه الله بعدد من السمات والسجايا التي أكسبته حب واحترام وتقدير الجميع.. لم يكن يعرف المجاملة لأحد على حساب الحقيقة، كان كل ما في قلبه يجري على لسانه.. تميز بالتواضع والذكاء المتقد وامتلاك النظرة الثاقبة والرؤية الصائبة والقدرة والكفاءة العلمية العالية التي سخرها في خدمة وطنه وشعبه.
تفانى وأخلص في عمله مستشعراً عظمة المسؤولية الدينية والوطنية الملقاة على عاتقه تجاه من تولى أمرهم في العملية التعليمية في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء أولاً، وتجاه مجتمعه الذي كان على ارتباط مع شريحة واسعة منه ثانياً، من خلال كتاباته القيمة التي أثرى بها الوسط الإعلامي سواء عبر الصحف والمواقع الرسيمة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي التي كانت تتناقل منشوراته و مقالاته التي كرسها لمناقشة وتقديم الحلول الناجحة للعديد من القضايا والمواضيع التي تهم الوطن والشعب في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية.
وفي جانب التربية والتعليم ولا سيما التعليم الأكاديمي تميز الفقيد الراحل الدكتور علي عبدالقادر عن غيره باعتماده على منهج البحث العلمي المرتبط بالقرآن الكريم الذي مثّل إضافة نوعية لمناهج التدريس في جامعة صنعاء.
لم نجده يوماً ما يتذمر أو يشتكي من العمل، بل تماهى معه وصولا إلى حد العشق، كان لا يبحث عن جاه أو منصب أو مادة أو أي شيئ من متاع الدنيا وزينتها، بل ظل يؤدي رسالته التعليمية بصدق وأمانة و إخلاص يعامل طلابه وكأنهم أبناؤه.. كان كل همه هو كيفية الوصول بالعملية التعليمية إلى مستوى متقدم يواكب التطورات المتسارعة في التعليم الجامعي على مستوى المنطقة والعالم.
وفي بضع سنين استطاع الدكتور الشاب الذي لم يكمل العقد الرابع من عمره أن يحقق للعملية التعليمية والنظم الإدارية في جامعة صنعاء وخاصة كلية الشريعة والقانون ما لم يستطع تحقيقه من سبقه من أكاديميي الجامعة.. وبجهود حثيثة وعمل دؤوب أرسى الفقيد مداميك قوية للعملية التعليمية من خلال إيجاد مسار متقدم لمناهج البحث العلمي الحديث وتطوير مناهج التدريس وبما يلبي الآمال والتطلعات لمخرجات التعليم الجامعي في بلادنا وفي فترة وجيزة بزغ نجمه وتوهج في سماء الوطن لينير دورب العلم والعطاء التي لمسها كل من تتلمذ على يديه في كلية الشريعة والقانون.
في الجانب الثقافي والاجتماعي كان له عطاؤه المتميز أيضاً الذي تجسد من خلال مقالاته و منشوراته القيمة ومحاضراته وكتاباته ونقاشاته وأحاديثه التي لم يكن يكمل فقرة من فقراتها دون ربطها أو الاستدلال عليها بآية من آيات القرآن الكريم.. وكم كانت تشده وتؤثر عليه مواقف المحتاجين والضعفاء ؟!!.. كان يشعر بمعاناة من حوله ويحاول بكل ما يستطيع أن يقدم كل ما بيده من إمكانات متاحة ليؤثر غيره على نفسه.
عطاء بلاد حدود، أخلاق عالية، لم يحمل في قلبه الحقد على أحد، وعلى الدوام يحب فعل الخير للجميع ويحث غيره على فعله.
ستظل دكتورنا العزيز بما تركته من الأعمال الصالحة والأخلاق العالية منارة تستقي منها الأجيال المتعاقبة كل معاني الحب والوفاء والإخلاص لله ثم الوطن والشعب.. وسيظل الوطن يحتفظ بسجلك المشرق والنظيف والصافي كصفاء ونقاء نفسك وكإشراقة حياتك المتوشحة بالفخر والوفاء والعزة والكرامة.. فنم قرير العين أبا خالد.. طيَّب الله ثراك وأسكنك فسيح جناته مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ورحمة الله تغشاك.. عشت عزيزاً كريماً ومُتّ أبياً شامخاً.
   الأسيف /المقدم / ناصر الخذري

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا