أخبار وتقارير

حركة طالبان.. والمصير الغامض !

حركة طالبان.. والمصير الغامض !

  بسيطرة حركة طالبان على إقليم بنجشير ودخول مقاتلي الحركة إلى قلب مدينة بازاراك عاصمة الولاية تكون قد انتهت آخر معاقل جبهة المقاومة التي انظمت إليها بعض القوات الحكومية الأفغانية السابقة.

لم تمنح طالبان فرصة استمرار الحوار مع أحمد مسعود وزعامات الإقليم فقد كانت الحركة على عجلة من أمرها للحسم العسكري بدفع مسلحيها لتطويق الاقليم واعتبرت الحسم العسكري هو الخيار الأمثل لإسكات أصوات معارضيها باستخدام العنف المسلح لضرب جبهة المقاومة التي يقودها الزعيم القبلي أحمد مسعود من الأصول الطاجيكية لتنتهي المعركة بتلك السرعة قبل أن تبدأ.
متخم بالأزمات
إقلاع حركة طالبان كان أسهل من هبوطها في بلد مثقل ومتخم بالأزمات ومنهارا اقتصاديا وماليا ومقسما اجتماعيا إلى طوائف وعرقيات وقوميات واثنيات غير متجانسة بالإضافة إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية الذي يشكل تهديدا آخر في بيئة حاضنة للجماعات المتطرفة ومساعدة على تدجينها وتفريخها وتفقيسها وانتشارها.
حركة طالبان التي تم تشكيلها يوم 7 سبتمبر "حكومة تصريف الأعمال" برئاسة محمد حسين اخوند بلون إمارة إسلامية يقودها أمير الجماعة الملا هبة الله اخوند زادة أعلنت عن أولويات جدول أعمالها خلال هذه المرحلة الحرجة كما جاء على لسان متحدثها ذبيح الله مجاهد إرساء دعائم الأمن والاستقرار في ربوع البلد وإطلاق الدعوة لإقامة علاقات مع جميع دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة أيضا دعوة الحركة لكل من باكستان وتركيا وإيران وقطر وروسيا والصين حضور تنصيب الحكومة. هذه كانت رسالتها الأولى منذ سيطرة الحركة على البلاد بالقوة في 15 أغسطس الماضي مع انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف الأطلسي وهي تجر ذيول الهزيمة والخيبة.
وكان من الواضح أن تقدم الحركة نفسها على تلك الهيئة التي ظهرت بها إذ لم تخرج عن محيط مكونها الديني والعرقي واستبعاد مشاركة طوائف المجتمع في الحكومة وهو الأمر الذي يجعل من الحركة أن تبدو أمام العالم بلون واحد في تشكيلة نظامها السياسي رغم إلحاح المجتمع الدولي على المشاركة السياسية الواسعة لطوائف المجتمع وما كانت تعد به طالبان الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي عن مشاركة الطوائف في الحكم أصبح من الماضي لتبدو الحركة بذات العمامة نفسها وعلى قدم واحدة تقف على أرضية هشة وممزقة إلا من المساعدات القطرية رغم حجم الكارثة الإنسانية التي خلفتها الولايات المتحدة للشعب الأفغاني.

لعنة الهزيمة وردود الافعال
الارتداد التاريخي مرة أخرى لحكم طالبان مثل فاجعة مجتمعية كان مطار كابول قد أفصح عنها بلغة الأرقام المهولة بتلك الصورة الفوضوية لهروب القطيع من جحيم القادم وكانت المعابر الحدودية هي الأخرى شهدت أسراب النزوح إلى دول الجوار ملايين البشر تركوا كل ما يملكون للبحث عن العيش الكريم والحرية فكانت الأقاليم تتساقط الواحد تلو الآخر في تقدمات متسارعة وكانت جيوش الأمريكان وحلف الناتو تنسحب ولعنة الهزيمة على جبينها ولم يكن أمام الإدارة الأمريكية ما تتمسك به إلا قرار تجميد الأموال الأفغانية كخطوة استباقية في مسار طالبان القادم.
ولعل هذا ما يطرح التساؤل عن إمكانية حركة طالبان في إقناع المنظومة الدولية بما في ذلك القوى التي حاربتها على مدى عقدين من الزمن بالاعتراف بحكومتها المعلنة دون تنفيذ اشتراطات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؟!
كان من الواضح أن تتباين ردود الأفعال الدولية وكان هناك شبه إجماع عن المخاوف الحقيقية لمستقبل أفغانستان وهذا ما جعل حركة طالبان تحت المجهر والرقابة الدولية في اشتراطات الاعتراف بها وبوضوح أفعالها على الأرض والمشاركة المجتمعية لكافة الطوائف والعرقيات والأحزاب السياسية في الحكم ومدى احترامها للحريات والحقوق المدنية وحقوق المرأة.

بيئة تهديد
تشكيلة حكومة تصريف الأعمال ضمت شخصيات غالبيتهم من قومية البشتون كانوا مسؤولين في الحركة خلال حكمها السابق بالإضافة إلى شخصيات من معتقلي غوانتانامو إضافة إلى شخصيات جديدة من الجيل الثاني في الحركة من قومية البشتون ربما شخصيتين من عرقيات أخرى من لهم صلات معها لكن التشكيل استبعد الأحزاب السياسية والقوميات كما استبعد مشاركة المرأة.
أعربت الولايات المتحدة على لسان وزارة خارجيتها عن قلقها البالغ من بعض التعيينات في الحكومة الأفغانية من بينهم شخصيات مشمولين في القوائم السوداء. وقال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس إن بلاده تشعر بقلق من "الانتماءات وسجلات التتبع" لبعض الأشخاص الذين عينتهم "طالبان" لتولي مناصب محورية في حكومتها وألمح إلى عدم تحول أفغانستان إلى بيئة لتهديد الولايات المتحدة وشركائها.
وكانت الولايات المتحدة قد عمدت إلى المسارعة بالإعلان عن جولة طويلة لكل من وزير الخارجية انتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد اوستن إلى الدوحة ومن ثم المانيا يوم الاثنين 6 أغسطس أي قبل يوم واحد من إعلان طالبان حكومتها في جولة لمناقشة ملف الأوضاع في أفغانستان وتشكيل الحكومة ولقاءات الوزير مع قيادات من حركة طالبان من المتواجدين في الدوحة, وفي نفس اليوم وصل مدير جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية حميد زادة على رأس وفد رفيع المستوى إلى كابول والالتقاء بقادة طالبان .

السباق نحو كابول
كان من الواضح أن يظهر السباق نحو كابول الذي اشتد وتحول إلى سباق تتابع لقطر وتركيا وباكستان فأمريكا تحاول التواصل مع طالبان من خلال حلفائها في دول الإقليم وتنسيق أدوارها لملء الفراغ أمام الصين الجيواقتصادي إلى جانب سد الخطوط أمام روسيا حتى لا يظهر فراغا جيوسياسيا ناجما عن الانسحاب الأمريكي.
وإلى ذلك يظل الاعتراف بحركة طالبان من جانب المجتمع الدولي مرتبطا بالتزام طالبان بالمصالحة الوطنية وإشراك الطوائف والأحزاب السياسية والمرأة في العملية السياسية وعدم تحول تراب أفغانستان ملاذا آمنا للجماعات المتطرفة لتهديد السلم العالمي وليس الوعود التي قطعتها طالبان بالأقوال تكفي لمغازلة العالم إنما بالأفعال والوقائع والممارسات وذلك ما هو مطلوب منها لإدارة الحكم الذي يخرج أفغانستان إلى بر الأمان.
إلا أن الولايات المتحدة لن تستطيع ايقاف توجه طالبان إذا ما قررت الاستدارة نحو الصين لاسيما وأنها قد استبقت بملف العقوبات وتجميد الأموال والدفع بقطر لإيصال المساعدات الانسانية.

النفوذ والتأثير الأمريكي
ما يعني أنه لم يتبقَ لأمريكا في أفغانستان سوى محاولة معادلة النفوذ الصيني بنفوذ حلفائها وشركائها في الإقليم. ولعل واحدة من تبريرات انسحابها من أفغانستان أن هناك متغيرات كونية بصعود الصين إلى المنافسة الدولية وهذا يشكل خطرا على مصالحها يتطلب مواجهته وكذلك روسيا لكن هذا لا يعني أن تترك أفغانستان للصين وروسيا أملًا في الإبقاء على شيء من النفوذ والتأثير الأمريكي لتبقى أفغانستان محطة في فضاء السياسة الأمريكية ينفذها وكلاؤها بطريقة تبادلية لاحتوائها وليس مواجهتها أي تبادل الأدوار بين الولايات المتحدة وحلفائها في المشاريع المتعددة الجوانب.
هذا الوضع الجديد الأكثر تعقيدا يضع طالبان أمام تحديات كبيرة لاسيما وأنها في لحظة الانهيار الشامل اقتصاديا وماليا واجتماعيا مع استمرار رحلات الإخلاء للأجانب والأفغان معا في عملية شراكة وتعاون بين طالبان والولايات المتحدة عبر الوسيط القطري.
يرى مراقبون أن سباق دول الإقليم إلى أفغانستان في هذا الظرف الحرج لاحتوائها من خلال تلك المبادرات العاجلة وتقديم المساعدات اللوجستية والفنية وإذا ما استجابت حركة طالبان لذلك تكون الولايات المتحدة قد وصلت إلى ما كانت تطمح إليه قبل عشرين عاما لجعل طالبان أمام سيناريوهات قادمة لتنفيذ أجندات السياسة الأمريكية في بلدان الجوار الأفغاني والشرق الأوسط.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا