أخبار وتقارير

جيبوتي ... علاقة الجوار ووحدة المواقف والنضال !

جيبوتي ... علاقة الجوار ووحدة المواقف والنضال !

علي الشراعي /

ارتبطت العلاقات بين البلدين الشقيقين اليمني والجيبوتي خلال القرن العشرين بعاملين الأول عامل سياسي اقتصادي قائم على الجغرافية السياسية والاستراتيجية لمضيق باب المندب .

حيث كانت علاقة اليمن ببلدان القرن الأفريقي ومنها جيبوتي في مرحلة ما قبل الاستقلال مرتبطة بالدول الاستعمارية المتنافسة فيما بينهما على احتلال بلدان القرن الافريقي حيث احتل الفرنسيون جيبوتي في مطلع القرن العشرين . وبعد استقلال جيبوتي عام 1977 أصبحت العلاقة مباشرة بين جيبوتي واليمن بشطريه , وزادت عمقا ومتانة بعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990م , وحتى الآن يجمعها الأمن البحري والمصالح الاقتصادية والسياسية . اما العامل الثاني الذي ربط العلاقة اليمنية ببلدان القرن الأفريقي عموما وجيبوتي بشكل خاص فهو العامل الاجتماعي والمتمثل بالهجرات السكانية المتبادلة وهذا العامل رغم قدمه التاريخي إلا ان الهجرة اليمنية نشطت منذ اواخر القرن التاسع عشر واستمر حتى الستينيات من القرن الماضي .

استراتيجية الموقع
جيبوتي تعد إحدى دول القرن الأفريقي , وهي عضو في جامعة الدول العربية , وتقع على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب , وتحدها اريتريا من الشمال الغربي , واثيوبيا من الغرب والجنوب , والصومال من الجنوب الشرقي , فيما تطل شرقا وشمالا على باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن . وعلى الجانب المقابل لها عبر باب المندب تقع الجمهورية اليمنية , إذ تبعد أقرب نقطة بين ساحلي اليمن وجيبوتي نحو 20 كم , وتقدر مساحة دولة جيبوتي بحوالي(  23 ألف كيلو متر مربع ) . كما يقدر عدد السكان: 1.106 مليون نسمة حسب التعداد السكاني لعام 2021م م . وعاصمة دولة جيبوتي هي مدينة جيبوتي . وكانت البلاد في الفترة الاستعمارية تسمى بالصومال الفرنسي . وتنقسم جمهورية جيبوتي إلى ست مناطق ( تاجورا , دخيل , على صبيح , أبوح , عرتا , ومدينة جيبوتي ) .وتعد اليمن وتليها جيبوتي في مقدمة البلدان المطلة على مضيق باب المندب من حيث الأهمية الاستراتيجية والجغرافية والملاحية , وذلك نتيجة لطول الساحل وتقاسمهما المهام الأمنية . علما أن الملاحة الدولية لا تسبب إعاقة للأنشطة البحرية وحركة التنقل على الساحل وبين البلدين فيمكن للبلدين الاستفادة الاقتصادية من المضيق واقامة مراكز سياحية وتموينية .
ولقد دلت المصادر والدراسات التاريخية , على أن أقوى العلاقات بين اليمن وشعوب القرن الأفريقي , كانت في العصور القديمة وذلك حينما كانت بلدان الضفتين شبه امتداد لأية دولة قوية تنشأ هنا أو هناك . حيث أثبتت الدراسات الجيولوجية والتاريخية أن المسافة بين ضفتي مضيق باب المندب كانت في العصور القديمة قريبة ويسهل معها التنقل بين الضفتين , فالدراسات التاريخية التي استندت على ما اوردته النقوش تشير إلى قيام الملك الحميري ( ذي نواس ) ( يوسف يثأر ) ملك اليمن بإغلاق مضيق باب المندب بالسلاسل , كما وصفت النقوش السبئية زحف القوات الحبشية على اليمن في القرن الخامس الميلادي بأنها كانت تعبر نحو اليمن بشكل زرافات كناية عن قرب المسافة . بل وتعد القبائل الكبيرة والمنتشرة في القرن الأفريقي منها قبيلة العفر( الدناكل) وهي آخر القبائل اليمنية المهاجرة إلى القرن الافريقي والتي تعتبر من أكبر القبائل القاطنة في منطقة القرن الافريقي. ويبدو ان المسافة بين جانبي مضيق باب المندب توسعت عما كانت عليه قديما , حيث أصبحت مسافة المضيق حسب آخر الدراسات الملاحية البحرية تمتد بين ساحل ذباب في اليمن وجزيرة (دهانيبا ) في جيبوتي حوالي 30 ميلا بحريا وتستمر هذه المسافة بين جانبي المضيق جنوبا حتى تصل جزيرة ميون التي تقسم مضيق باب المندب إلى قسمين مضيق فالقسم المحصور بين جزيرة ميون وساحل جيبوتي هو الممر الرئيسي والصالح للملاحة الدولية إذ يبلغ عرضه حوالي 23كم وعمقه لا يقل عن خمسين مترا , وتقدر المساحة الآمنة للملاحة في الجانب الأقرب لجزيرة ميون ( من 2 كم حتى 7كم غرب الجزيرة ) .

التنافس الاستعماري
كانت العلاقات بين ضفتي جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وما يمثله مضيق باب المندب من أهمية عبر التاريخ علاقات ساخنة سياسيا وأمنيا فغالبا ما تبرز تلك العلاقات على السطح حينما تبدأ الصراعات الدولية على المصالح في المنطقة سواء في التاريخ القديم بين الفرس – الرومان , أو في العصر الحديث مرورا بالصراع البرتغالي – العربي ثم الاوروبي – العثماني ومن ثم صراع الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي سابقا – أمريكا . لتنفرد امريكا بالقطبية الواحدة والهيمنة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بداية تسعينيات القرن الماضي . وحتى هذه اللحظة نجد تجدد المطامع الغربي وخاصة امريكا وتحت مسميات عدة وذرائع مختلفة تحاول فرض قبضتها على المنطقة في مواجهة قوى صاعدة
وقد بدأ بروز الصراع في التاريخ الحديث على مضيق باب المندب بين الدول الاستعمارية منذ حملة نابليون على مصر سنة 1798م وفتح قناة السويس عام 1869م حيث مثلت كل من بريطانيا وفرنسا البداية في الوصول إلى مناطق نفوذ ومستعمرات لها على ضفتي بلدان المنطقة قام الانجليز باحتلال عدن سنة 1839م ثم استولت على جزيرة موسى التابعة لوالي تاجورا في اغسطس 1840م وجزيرة أوباط التابعة لحاكم زيلع في 3 سبتمبر من نفس العام . وبالمقابل أشترت فرنسا ميناء أبوك ( ابوخ) عام 1862م القريب من باب المندب . وكانت سواحل اليمن والقرن الافريقي على البحر الاحمر منذ مؤتمر لندن 184م و قد عادت لسيطرة الدولة العثمانية وكان المتصرف العثماني في ليمن يحكم ساحل جنوبي البحر الاحمر والقرن الافريقي من مدينة المخا . وتكشف الوثائق العثمانية أن الحاميات العسكرية العثمانية في مدن الساحل الافريقي كان معظمها من مجندي اليمن . وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية دخلت جيبوتي مرحلة تاريخية جديدة كغيرها من البلدان الخاضعة للاستعمار التي بدأت فيها الشعوب تطالب باستقلالها فقد بدأت النزعة الوطنية تظهر في جيبوتي بشكل واضح في أواخر الاربعينيات من القرن العشرين .وبالمقابل كان المهاجرون اليمنيون في جيبوتي قد تفاعلوا مع الهم الوطني اليمني والجيبوتي وبوقت واحد .

مواقف مشتركة
عندما حدث العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م . والذي اشتركت به فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني تأججت مشاعر الجماهير العربية وخرجت إلى الشوارع للتعبير عن غضبها ضد العدوان , غير أن الاحتجاجات في مستعمرة جيبوتي أخذت شكل أخر , حيث خرج ( العفر) و( العيس) والمهاجرون اليمنيون صفا لأول مرة , في مظاهرات عارمة احتجاجا على ذلك العدوان , ودمروا خلالها بعض المنشآت الفرنسية التي كانت تخزن فيها المواد التموينية والأسلحة وترسلها إلى الكيان الصهيوني . وهو الأمر الذي عكس نفسه على السياسة الفرنسية في جيبوتي تجاه المهاجرين اليمنيين . خاصة بعد أن اكتشفت المخابرات الفرنسية في جييوتي أن بعض المهاجرين اليمنيين أرسلوا تبرعات مالية للجيش المصري , وأموالا للأحرار اليمنيين في القاهرة وكذلك كشفت عن سعي بعض المهاجرين اليمنيين في تهريب أكثر من سبعين أسيرا مصريا من معتقلات جيبوتي وكان الانجليز قد اعتقلوهم في مياه البحر الأحمر أثناء عمليات العدوان الثلاثي على مصر , وهو الأمر الذي دفع الفرنسيين للعمل على تسفير سكرتير القنصل اليمني ناشر عبدالرحمن والمتهم الأول في التحريض على ذلك . وكنتيجة للسياسة الفرنسية تجاه ابناء جيبوتي وابناء المهاجرين اليمنيين الأوائل والمستوطنين في جيبوتي وكذا لظهور الحماس القومي قام بعض الشبان من ابناء المهاجرين بالانخراط في الحركة الوطنية الجيبوتية المناهضة للاستعمار الفرنسي لجيبوتي .
ونتيجة للتطورات الداخلية في جيبوتي المطالبة بالاستقلال ورحيل المحتل الفرنسي وبسبب الصراع العربي – الصهيوني في البحر الأحمر تداعت الدول العربية المستقلة المطلة على جنوبي البحر الأحمر وخليج عدن لعقد مؤتمر البحر الأحمر في تعز في 22 مارس 1977م تحت شعار ( التضامن العربي وأمن البحر الأحمر) وضم رؤساء شطري اليمن سابقا الرئيس الحمدي والرئيس سالمين والسودان والصومال حيث صدر عن القمة بيان دعا إلى سلامة البحر الأحمر , كما دعا فرنسا إلى أن تمنح جيبوتي حق تقرير المصير . وقبلت فرنسا منح جيبوتي الاستقلال بعد أن توصلت التفاهمات إلى قبول الطرف الجيبوتي التوقيع على ثمان اتفاقيات تحدد العلاقة بين البلدين واهم تلك الاتفاقيات هي موافقة جيبوتي على الوجود العسكري الفرنسي وهذا بحد ذاته يعطي ميزة استراتيجية في المنطقة من حيث الحسابات الدولية أكثر من ذي قبل بعد رحيل الانجليز جنوب اليمن 1967م وهو الأمر الذي سيجعل اليمن ودول المنطقة جزءا من اهتمام فرنسا عسكريا وأمنيا . ويظهر أن بعضا من المهاجرين اليمنيين فازوا في الانتخابات البرلمانية الجيبوتية المتعددة قبل الاستقلال منهم ( علي طاهر) و( الضوراني ) وكان علي طاهر ضمن لجنة التفاوض مع الحكومة الفرنسية من أجل الاستقلال وتكرر فوزه وغيره من المهاجرين في أول جمعية وطنية انتخبت قبل إعلان الاستقلال بشهرين . كما اصبح البعد الديمغرافي لجمهورية جيبوتي بعد الاستقلال من ضمن أهم الدوافع لتطور علاقتها مع اليمن , فقد دلت بيانات التعداد السكاني في جيبوتي بأن الجيبوتيين من اصول يمنية يبلغ 10% من مجموع سكان البلاد . وان الاقتصاد الجيبوتي قام على اكتاف المهاجرين اليمنيين لذلك وضع هذا الأمر بعين الاعتبار في سياسة البلدين تجاه بعضهما بعضا . أضف إلى ذلك فإن جميع سكان جيبوتي ذوي الثلاث الأصول ( الصومالية , العفر , اليمنيين ) في وقتنا الحالي يفتخرون باللغة العربية .

ترسيخ العلاقات
بعد استقلال جيبوتي وانتخاب حسن جوليد في 27 يونيو 1977م اول رئيسا لجمهورية جيبوتي وانضمامها إلى الجامعة العربية . بدأت القيادات السياسية بين البلدين بالمباحثات لتعميق العلاقات بين شطري اليمن سابقا وجيبوتي . تحتل ذلك بزيارة الرئيس الجيبوتي حسن جوليد الى صنعاء عام 1979م حيث تم خلال الزيارة فتح بعض مجالات التعاون بين البلدين بهدف الدفع بالعلاقات إلى الأمام وقد تم في عام 1981م اعتماد التمثيل الدبلوماسي بين البلدين . وبنفس الوقت كانت العلاقات الجيبوتية مع عدن قد تطورت وأدت إلى تشكيل لجان وزارية مشتركه بين البلدين وبعد قيام الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م تطورت العلاقات الى أفق اوسع من السابق . وبعد استقلال اريتيريا في ابريل 1993م وظهور تطلعاتها في جنوب البحر الأحمر على حساب اليمن وجيبوتي تمثل في احتلالها لجزيرة حنيش اليمنية في منتصف ديسمبر 1995م , واحتلالها ايضا لبعض مناطق جيبوتي لتكون بذلك رأس حربه ووكيلا لقوى اقليمية ودوليه في المنطقة وخاصة للكيان الصهيوني وأمريكا .كل ذلك قاد الى تقارب وجهات النظر اليمنية - الجيبوتية المتوازنة والهادفة الى أمن وسلامه المنطقة حيث اثمرت عن اول زيارة للقيادة السياسية في صنعاء الى جيبوتي عام 1996م ، عن تأسيس (جمعية الصداقة اليمنية الجيبوتية ) والتي عقدت ثلاث دورات على المستوى الوزراء حتى عام 2002م ، تمخض عنها التوقيع على حوالى (49) اتفاقية وبرتوكول بين البلدين وهو الأمر الذي حقق التقدم في اكثر المجالات على وجه الخصوص التوافق في المجال الاقتصادي والتجاري وأمن المنطقة .

مواجهة التحديات
واستمرارا للاهتمامات الفرنسية الاستراتيجية المتنامية بالمنطقة وهذا ما أزعج بعض القوى الدولية والاقليمية على وجه الخصوص الولايات المتحدة الامريكية التي كانت قد بدأت ترتب أولوياتها في المنطقة منذ رحيل الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن المنصرم للانفراد بدول المنطقة حيث كان لأمريكا اهتمامات بتطورات الاوضاع في اثيوبيا وانفصال اريتريا والاضطرابات في الصومال وقيام الوحدة اليمنية ثم الوضع في جيبوتي اثناء الصراع الجيبوتي – الإثيوبي والصراع الجيبوتي – الأريتيري . كذلك التوافق اليمني – الجيبوتي – الفرنسي في التصدي للتطلعات الإرتيرية غير المشروعة جنوبي البحر الأحمر عند احتلالها لجزيرة حنيش اليمنية سنة 1995م  
وفي الحقيقة لقد أوجدت المواقف الامريكية ريبة عند الأوروبيين والفرنسيين على وجه الخصوص من هيمنة امريكا على المنطقة وتثبيت للوجود الصهيوني وتهميش دور فرنسا ومحاولة إضعاف دور اليمن وجيبوتي في جانب الأمن البحري في المنطقة . وهو الدور الذي دفع بالمزيد من تقارب وجهة النظر بين اليمن وجيبوتي – وهو ما يحدث اليوم من تطلعات امريكية للسيطرة على مضيق باب المندب بذرائع حماية الملاحة الدولية - والذي كان نتيجة لسياسة البلدين المتوازنة والمتسمة بالحيطة والحذر والتروي تجاه معظم تلك الأوضاع والقائمة على عدم الاضطرار أن تقع المنطقة تحت هيمنة أي من الدول الكبرى .

حارس " الجرائم الصهيونية "
 أن وقوع اليمن وجيبوتي في منطقة استراتيجية مهمة وحساسة من أهم العوامل التي دفعت بالعلاقة بين البلدين إلى التقارب بينهما منذ ثمانينيات القرن العشرين وحتي اليوم . وذلك لاعتبار وقوع البلدين على جانبي مدخل مضيق باب المندب الذي يعد من أهم المواصلات البحرية والذي ازداد أهميته مع اكتشاف النفط في ايران وشبه الجزيرة العربية ونقله عبر المضيق إلى معظم دول العالم أهمها دول الغرب . بذلك يعد دعم استقرار البلدين مطلبا عالميا فرضته الحسابات الاقتصادية والسياسية الدولية خاصه مع مجريات احداث القرن الواحد والعشرين بدأ بأحداث 11 سبتمبر وما سمي بمحاربة الارهاب واحتلال افغانستان والعراق والاضطرابات الداخلية في الصومال وما تلاه من تأجيج الغرب وامريكا للأوضاع في المنطقة بدأ بمحاربة القرصنة الصومالية عام 2008م ومن ثم شن عدوان 2015 م على اليمن لفرض وجودها بالبحر الأحمر ولتمكين الكيان الصهيوني من التواجد عسكريا في مضيق باب المندب وما يحدث اليوم ما هو الا تكريس للتواجد الامريكي في جنوبي البحر الأحمر ومضيق باب المندب فلا فرق بين شعار الامبراطورية الرومانية الاستعمارية ( السلام الروماني ) في التاريخ القديم وتوغلها في المنطقة واطماعها بالبحر الأحمر آنذاك وبين شعار امريكا اليوم بما اسمته ( حارس الإزدهار ) إنها اطماع تتجدد منذ التاريخ القديم تحت مسميات متعددة لكن الهدف واحد للقوى الاستعمارية الكبرى لذلك فإن البلدين اليمن وجيبوتي تدرك اليوم حقيقة تلك الاطماع الاستعمارية الجديدة .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا