أخبار |

ابن علوان ... بين محراب الصوفية وبلاط الجهاد الأعظم !

ابن علوان ... بين محراب الصوفية وبلاط الجهاد الأعظم !

26 سبتمبرنت:  علي الشراعي ..

حينما زار الإمام المهدي عبدالله (1816- 1835م )  مدينة تعز أراد ان يقوم بزيارة قبر الصوفي الشهير ابن علوان في منطقة يفرس القريبة من تعز لكنه نُصح بأن لا يفعل إذا إن مثل هذه الزيارة قد تعمق الاعتقاد عند العامة من الناس بولاية ابن علوان وتقديس قبره .

يُعد الشيخ أحمد ابن علوان المتوفي (665 هجرية - الموافق 1266م ) من أشهر صوفيي اليمن في القرن السابع الهجري بل لعله أشهرهم وأكثرهم حضورا في الوجدان الشعبي . وهنا نقف على شاطئ محيطه الزاخر محاولين التجريء بالكتابة عنه فيما يخص موقفه مع حكام عصره .

نزعة اجتماعية

  بالرغم من المنزلة التي احتلتها الصوفية عند حكام الدولة الرسولية (1229- 1454م )  فقد كان لهم دور هام في مراقبة أهل الحكم والتصدي لهم إذا تعرضوا للرعية بالظلم كما فعل ابن علوان فلقد اتسمت صوفيته بنزعة ايجابية تمثلت في عدد من المواقف التي وقفها إزاء القضايا المهمة في التصوف والقضايا الاجتماعية التي وقف فيها مدافع عن الرعية في وجه الحكام الأمر الذي صبغ تصوفه بخصوصيه الموقف والتفرد فيه . فقد اتهم الصوفيون بالهروب من الواقع وعدم الاهتمام بما يحيط بهم من شؤون الحياة المختلفة وبخاصة السياسية والاجتماعية أما السياسة فلانها شأن دنيوي وهم طلاب آخرة وأما الأحوال الاجتماعية فهم أناس تغلب عليهم النزعة الفردية الذاتية والميل إلى العزلة والفرار من الناس حتى لا يشغلونهم عن مطالبهم لذلك لم تشغلهم الماديات بقدر ما شغلتهم الروحانيات  لكن ابن علوان قدم نموذج مغايرا لهذه الصورة التي شاعت عن الصوفيين . فصوفيته لم تدفعه إلى الهروب من الواقع او العزلة عن الناس ولم تصبغه بالضعف والمهانة والاستسلام وهذا مرده إلى رؤيته للتصوف وحرصه على الجمع بين الشريعة والحقيقة بين الدنيا والآخرة . فقد كان ذا نزعة اجتماعية شارك الناس همومهم وآلامهم وطموحهم وآمالهم كل ذلك رغبة في إصلاح المجتمع حكاما ومحكومين في فكرة وسلوكه وليس أدل على ذلك من نصحه للحكام رغبة دون خوف أو رهبة لأن صلاح الملوك باب إلى صلاح الرعية .

نصره الحق

وقد وقف الصوفي ابن علوان إلى جانب الرعية مدافعا عن حقوقهم ومبينا للحاكم وجوه الحق في التعامل معهم مُوقضا في ضميره نوازع الخير وبواعث الاستجابة إلى الحق ناصحا ومرشدا .  يتجلى ذلك في رسالته إلى الملك الرسولي المنصور نور الدين عمر بن رسول (1229 – 1249م )  مؤسس الدولة الرسولية بتعز والتي عرض فيها ما يعانيه الرعية من البؤس والحرمان . وهي رسالة طويلة نقتطف منها ( ... فلا تكن أصلحكم الله ممن غرته الدنيا ومنته بدوام المحيا فإنها لن تغني عنك من الله شيئا وأعلم أيها الملك أن عمرك هو الدنيا وانك فردا خلقت وفردا تموت وفردا تبعث وأن كل صاحب أو مؤنس أو أهل أو ولد أو عسكر أو عشير إنما هو صاحب حياتك يُسلمك عند وفاتك ... واعلم أيها الملك أنه لا يُبرئك عند الله أن تقلد في رعيتك سواك لأنك أنت المسؤول عنهم لا ذاك ولا لمثلك أن تغفل عن رعيتك شهرا واحدا فكيف شهورا ولا عصرا واحدا فكيف عصورا ... فاشكر نعم الله عليك وأحسن كما أحسن الله إليك ) توضح رسالة ابن علوان قوة صاحبها ورباطة جأشه فكما هو معلوم أن الحكام والملوك اغلبهم ممن لا تطيب قلوبهم بمثل هذا الكلام فهم أميل إلى ذلك الكلام الخاضع الذليل الذي يُعلى من شأنهم ويعُظم من حقهم ويتغنى بمحامدهم ولا يرى في أعمالهم إلا العدل الخالص والفضل المحض فليس سهلا أن يقال للحاكم ما قاله ابن علوان :

 

                        فانظر إليهم فعين الله ناظرة

 

                                    هم الأمانة والسلطان مؤتمنُ

 

                      عار عليك عمارات مشيدة

 

                                     وللرعية دور كلها  دمنٌ .

 

إنه كلام صادر عن قلب قوي الإيمان لا يخشى في الله لومة لائم ولا مطمع له في منصب أو عطاء إنها روح الفكر والمسؤول والموقف الصادق مع الحق الناصر للمظلوم .

رفع المظالم

لقد وقف ابن علوان كالجبل في وجه المتسلطين وإلى جانب الرعية وتمتاز نضاليته لأهم المزايا وألمعها  معرفته الثاقبة بأساليب الحكم ودرايته العيانية بواقع المحكومين . ولا شك أنه قد نذر نفسه ودمه فداء للرعية وقربانا لحماية إنسانيته وما ذلك إلا لشعوره بآلام الرعية وأن ما لحق بهم من ظلم الولاة والجُبَاة يجب أن يرفع عنهم وأنه هو بالذات معني بهذا الأمر بالدفاع عن حقوق الرعية ورفع المظالم عنهم . ولعل هذا ما جعل أديب اليمن وشاعرها الكبير البردوني يرى فى شخصية ابن علوان ( تغلب البطل السياسي على المتوحد الصوفي ) لأنه اتخذ الهجوم المباشر ضد المتسلطين بديلا عن التقنيع في صوفيته . فالتصوف عند ابن علوان كما ذكره  نزعة ايجابية وفهمه له على هذا النحو كان دافعا إلى الشعور العميق بروح المسؤولية والاهتمام بشؤون الآخرين .

فخلال زيارة الإمام المهدي لتعز عام 1821م . كان القاضي الإمام محمد الشوكاني مرافقا له  وقد عبر الشوكاني عن إعجابه بهواء مدينة تعز واعجب بقاتها المشهور في ألوانه ونضرته وأنشد :

 

                أَمَـا تَـرَى تَـعِـز فـي اللَيْـلِ غَدَا

 

                                   يَــرْتَــقِـصُ الْجَـوُّ بِهـا مِـنْ الطَّرَبْ

 

                 كَــأَنّـمـا القـاتُ المـؤَاتِـي بِهَـا

 

                                   قُــضْــبــانُ يـاقُـوتٍ وأقْـراطُ ذَهَـبْ

 

                 وَمــاؤُهــا يَــحْــكِـي الْهَـوَاءَ رِقَّةً

 

                                   كما حَكَى ذَوْبَ اللُّجَيْنِ في الصَّببْ .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا