أخبار |

الواقع العربي .. انكفاء وتحوصل على الداخل

الواقع العربي .. انكفاء وتحوصل على الداخل

التحديات التي تواجه العرب شعوباً وحكومات وزعامات لا حدود لها .. اذ لاتقف عند حدود التحديات الصهيونية الامريكية .. أو التحديات الاقتصادية .. بل ان تلك التحديات نابعة من الخلافات العربية ودخولها نفق الصراعات والصراعات الحادة .

فالأوضاع العربية لا توحي بان هناك إجماع على الاعتراف بها أو تدعوا الى التفكير الجمعي رغم وجود ما تسمى جامعة عربية وفي الشراكة الاسلامية الى آخر هذه الانماط والاطر التي هي معنية بالتفكير الجمعي وبالتوافق وبالالتقاء عند مستوى أي تحديات تواجه العرب والمجتمع العربي ..

يشعر العقلاء في المجتمع العربي ان هناك اخلالات عديدة تعتري جوانب هذا المجتمع .. واولى واهم هذه الاخلالات هو غياب القدوة واضطراب الزعامات والقيادات التي اتجهت الى الا قلمة والى التحوصل حول ذاتها  والانكفاء على الداخل في أطار أنانية مفرطة لدى معظم القيادات والزعامات العربية ..

ومثل هذه الزعامات في سعيها نحو الانكفاء يلاحظ انها لا تتوانى عن ابتداع انماط علاقات ذات سمة انغلاقيه على الذات وفي هذا المسعى لا تتورع عن استدعاء (مخاوف قطرية) ذاتية وتحاول تعميمها على مجتمعها بحيث تسعى كل دولة وكل بلد الى المزيد من اصطناع تعقيدات مرة تحت مسمى الأمن ومرة اخرى تحت الحفاظ على الهوية والخصوصية ومرات عديدة حول الاتجاهات التي ترتهن لها في سياساتها وفي اساليب ادارة دولها وبلدانها ..

رغم ان هذا التحوصل يشير ضد منطق الحياة الذي يوجب بناء شراكات فاعلة ومهمة , ويوجب الانفتاح على الآخر والاتجاه نحو ما يجمع الامة ولا يفرقها .. يقويها ولا يضعفها وقد تطور مثل هذا التحوصل او التقوقع على الذات وعلى الداخل بكل بلد وكل دولة وكل نظام الى انشاء اجهزة واطر معينة بصناعة المزيد من التعقيد في علاقات البلدان العربية وفي الشراكة بينها اذ تتحول الى الغام والى أوتاد واسافين ’ بل وتقود الى صناعة صراعات وخلافات كثير منها خلافات حادة تصل حد الإضرار واضطرام صراعات دموية في ما بينها ..

 واذا جئنا الى استعراض سريع الى الإحتقانات العربية البينية سنجد ان العراق والكويت مهيأون لانفجار صراع حاد فيما بينهما .. وفي ذات الوقت لا يخفى على احد الصراع الجزائري المغربي .. أو الصراع السعودي الاماراتي .. أو الاطماع السعودية بارض عمان واليمن والكويت .. أو انقضاض الرياض بتلك الاساليب الانتهازية على جزيرتي تيران وصنافير أو الصراع السعودي الاردني ..

أما المخاوف اليمنية فهي مربط الفرس فارض اليمن جراء المؤامرات العربية اصبحت ارضها نهباً للأطماع وما يحدث في سقطرى وفي العديد من الجزر اليمنية مثل جزيرة ميون في البحر الاحمر وارخبيل حنيش إذ اصبحت تحت نفوذ الامريكان ومن خلال وكيلهم الامارات والتغذية للحرب العبثية التي تمول من اموال عربية وصلت الى ملشنة كل شيء في جزء مهم من اليمن وبأيد امارتية وسعودية وبموافقة من الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ..

ولا يخفى ايضاً الصراع الاماراتي العماني وهو صراع حدود .. أو المؤامرات الاماراتية ضد قطر أو مكائد قطر ضد البحرين أو الصراع السعودي العراقي ..

وفي الشمال الافريقي تعاني ليبيا من تدخلات عربية عديدة سواء من مصر أو الجزائر أو تونس أو الاضطراب في تونس الذي لا تخفى الايادي الجزائرية عن الايغال فيه .. وحرب الأخوة في السودان الطاحنة تمول عربياً.

عموماً ان العرب منهارون من الداخل ومازالوا يمارسون غوايتهم في الخلافات وفي اصطناع الصراعات وكأنها استراتيجية وسياسية وضعت لهم من قوى دولية وغير مسموح لأي منهم بأي نقاش أو شراكة أو تفكير جمعي لمواجهة التحديات وتهديدات الوجودية التي تعترض مساراتهم ..

ويبدو ان هذا هو قدر المجتمع العربي ان يعيش مزيداً من الانقسامات ويذهب الى الانكفاء الكامل على الداخل بالأمس كان العديدون يرون في تقارب العرب المحدود مكسباً ويطالبون بالمزيد ويتفاءلون بما أسموه الوحدة العربية .. وكان الخطاب العام السياسي والثقافي والاجتماعي يؤكد على السير نحو التكاملية في وحدة عربية .. وليت الامور تواصلت على ذلك , لكن ازدادت الهوة اتساعاً وبدأ خطاب اعلامي وسياسي شديد الوقاحة يرفض التكاملية أو الوحدة أو حتى التفكير فيها ..

ولذا فواقعنا العربي لا يبشر بخير ولا ينبئ عن قادم متفائل اذ من المقرر له ان يشهد استدامة في الاحتقانات والصراعات وفي الابتعاد عن القضايا الجوهرية .. والسير في رحل التخلف والضياع والفوضى .. ويبدو أن هذا ما يفرض عليهم ألمخرج من اعداء الأمة لاحول ولا قوة الا بالله .

رحمة الله على الشاعر الذي شخص الحالة العربية النشاز مطلع ثمانينيات القرن الماضي في قصيدة مطولة واقعها يحكي واقعنا اليوم من تشتت وهوان وحرب إبادة قائمة في غزة ومذابح وحصار ومجاعة على مراء ومسمع من العالم العربي والاسلامي ولا نخوت لمعتصم .. الكل تحول إلا وسيط محايد ..

     نهرُ من الدم .. فمشي فيه اغتسلي  *  من الجنابة .. يا أنثى بلا خجلِ

     تأملي جثث الأطفال .. وانفعلي!    * وطالعي جثث الأشياخ .. واشتعلي

     ماذا يخيفك؟ هل بعد الحمام ردى؟ * وهل سوى الأجل المحتوم من أجلِ

     ها أنت مُت .. فقومي الآن وانتفضي * قد يصبح الموت ميعاداً مع الأزلِ

     نهرُ من الدم .. يجري في مرابعنا .. * بلا شموخٍ .. بلا كبرٍ .. بلا بطلِ

     ما مات فيه عدوي .. ما ت فيه أخي * بطعنةٍ من أخي مسمومةِ القبلِ

نهرٌ من الدم .. فامشي فيه وارتشفي    * حتى الثمالة .. يا أضحوكة الدولِ

" قالوا فلسطين" قلنا الحين عاجلها * فاستسلمت لِمدى الجاني على عجلِ

"أبو فلان" يغني فوق جثتها       *  كما يغني غراب وحشة الطللِ

يقول ما لذنب ذنبي !.. إن قاتلها  * "أبو فلان ".. ومن أغوهُ بالحيلِ

قتلتموها جميعاً .. إن وأحدكم    * "أبا الخديعةِ" أضحى .. أو "أبا الدجلِ"

ونحن من خلفكم ما بيننا رَجُلٌ   *  لم تختضب يده بالأحمر الهطلِ

ونحن يا سادتي ما بيننا رجلً    *    إلا وطلق طوعاً نخوة الرجُلِ

قالوا "العروبة!" قُلٌنا أمةٌ درجت  *  على الشقاق.. فأضحت مضرب المثلِ

في كل شبرٍ زعيمٌ رافع علماً     *    يقولُ إني وحيد الناس في مُثُلي

تمشي الهزيمة عاراً فوقَ منكبه  *    لكنه باحتفال النصر في شُغُلِ

في كل شبرٍ مد قبضتهُ           * غلى الجموع .. فلم تفعل .. ولم تقلِ

وكيف نطق من سدوا حناجرهُ ؟ * وكيف يمشي بعبء القيدِ ذو شلل؟

فداحسّ لم تزل بالثأر مولعةً     *  ونشوة الحربِ في الغبراء لم تزلِ

وقادةُ العرب سلوا السيف .. وارتجزوا * يا أمة العرب سُلي السيف ..واقتتلي !

القاضي د\ حسن حسين الرصابي

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا