الأخبار

قراءة من كتاب في رحاب الحبيب المصطفى

 عندما تستثمر في الخير فأن الله يضع بركته في هذا المشروع فكيف عندما نتجه إلى الاستثمار المبارك لذكرى سيد الخلق محمد بن عبدلاه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آلة .. أنه استثمار الاستثمار وهو عطاء يباركه المولى عز وجل مئات المرات .. لأنه المصطفى الهادي حبيب الله وشفيعنا.. ومن هذا المنطلق علينا أن نبرز هذه الحقائق في مولد خير البرية.

قراءة من كتاب في رحاب الحبيب المصطفى

 الموقف الصائب الذي يجب أن يتخذه علماء أمتنا تجاه ذكرى هذه المناسبة المجيدة مناسبة المولد النبوي الشريف على صاحبه وآله أفضل الصلاة والسلام لا نكتفي بما تصدره وسائل الإعلام في كم برنامج عابر ومسلسل , مسرحية ..  بل الموقف الأصوب هو أن يتظافر الجهد الإعلامي مع الجهد التوعوي وعلى العلماء الواجب الرئيسي في التوعية بأهمية الذكرى من الناحية الدينية والإنسانية , والتاريخية وعصر الظلام الذي ولدفيه هذا الحبيب وأن تجسد كل الفعاليات الاحتفالية بالمحاضرات والتوعية والدرس ومحاسبة الواقع على ضوء الذكرى المباركة.

 الاحتفالات والافراح والاتراح والمديح والتزيين شعائر مهمة لا ندعو إلى التخلي عنها، ولكن لا يجوز الاكتفاء بها والوقوف عند حدودها؛ بل يجب توعية الأمة بقيمة هذه الذكرى وبحياة صاحبها بحيث تخلق نوعاً من الارتباط والإنشداد النفسي والعلمي بين الأمة وصاحب الذكرى.

  يجب أن تكون ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة والسلام محفزة لنا على التضحية من أجل الله والجهاد في سبيله بإدراكنا لهذه الحقائق فتتضح لنا الرؤية من الاحتفاء والاحتفال  بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة والسلام محفزة لنا على التضحية من أجل الله والجهاد في سبيله بإدراكنا لهذه الحقائق ستتضح لنا الرؤية من الاحتفاء والاحتفال بهذه المناسبة المباركة التي تحفزنا على العمل وعلى الإنجازات وعلى الجهاد في سبيل الله ولأعلاء كلمته ..

يفتح الإنسان عينيه فيرى نفسه منتميًا إلى أمة لها وجود وكيان، وخلفها حضارة وتاريخ، فقد يتصور أن هذا الوجود والكيان، وتلك الحضارة والتاريخ، إنما هي أشياء عفوية وطبيعية، هبطت على أمته بشكل مفاجئ!! فلا يشعر حينئذ بقيمتها ولا يجد دافعًا للعمل من أجل الحفاظ عليها، لأنها حسب نظرته السطحية ستبقى وتستمر بشكل عفوي وطبيعي، وحتى لا يبقى الإنسان غارقا في هذا التصور الخاطئ للحياة والتاريخ يحتاج إلى ما يذكره بتاريخ أمته، وبناء كيانها، وقيام حضارتها، ويثبت له أن ذلك لم يأت بشكل عفوي ومفاجئ، وإنما هو نتيجة صراع وجهود وعمل.. فهنالك أبطال ومجاهدون صنعوا هذا التاريخ بحياتهم ودمائهم وهناك أحداث وأيام حاسمة عبرت عليها هذه الحضارة وظلت تسير على جسور التضحية والعمل..

من هنا انبثقت فكرة الذكريات عند كل أمة، حيث تهتم بتخليد الأحداث التي صنعت تاريخها، والأبطال الذين بنوا كيانها، وجاهدوا من أجل وجودها وكرامتها، لتذكر أبناءها بأن الأمة التي إليها ينتمون لم تمتلك هذا الكيان وهذه الحضارة إلا بالعمل والتضحية، وأمتنا الإسلامية وهي تمتلك أروع تاريخ وأسمى حضارة يحتاج أبناؤها إلى التعرف على مسيرة هذا التاريخ ونشأة تلك الحضارة، حتى لا يتوهمون أن ذلك حدث بسهولة وعفوية وأنه سيستمر كذلك، أو يتصورون أن السماء تدخلت بالقوة وصنعت لنا تاريخنا وحضارتنا، ولعل هذا التصور شائع عند الكثيرين من أبناء الأمة حيث يفسر التاريخ تفسيراً غيبياً واعجازياً، ولذا يلجأ إلى التفكر ويلوذ بالدعاء  يلتجئ بالشكوك والدعاء إلى السماء لتغيير فاسد الأوضاع، ولتقدم له النصر على طبق من ذهب، دون أن يعمل هو من أجل التغيير والنصر، ولكن متى صنعت السماء حضارة لشعب خامل أو متى بنت تاريخاً لأمة جامدة؟ الله دوماً مع العاملين والمجاهدين الصادقين الذين يندفعون إلى انجاز الأعمال وإلى اجتراح المأثر وإلى الجد والمثابرة ..

إن الله يقول: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة التوبة:105، وحينما انتظر بنو إسرائيل من الله أن يحقق لهم النصر دون أن يخوضوا معركة الجهاد، وقالوا لنبيهم:( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) سورة المائدة:24، فعاقبهم الله بالتيه والظلال أربعين سنة.

وحتى الطليعة المؤمنة المجاهدة حينما تخلفوا عن الالتزام بأمر عسكري واحد في معركة أحد، أذاقهم الله مرارة الهزيمة بعد أن انتعشوا بحلاوة النصر وجمعوا غنائمه، ومن هنا تبرز أهمية الذكريات في حياتنا، لأنها تعرفنا أحكام الحياة ومسيرة التاريخ، وتبدد عنا تصورات العجز والاتكال، ولأن تاريخنا عريق ومجيد فإنه مليء بالمنعطفات الخالدة والأبطال المناضلين، ولذا فإن عندنا ثروة رائعة من الذكريات يمكن أن تفجر فينا روح العمل، وتدفعنا إلى التقدم، وتملأ نفوسنا بالطموح والأمل كل ذلك إذا عرفنا كيف نستثمر هذه الثروة ونستفيد منها، والملاحظ أن هناك موقفين بارزين في أوساط مجتمعاتنا الإسلامية تجاه هذه الذكريات:

الموقف الأول: وينتشر في صفوف الشباب والمثقفين يرى: أن الاحتفاء بهذه الذكريات نوع من الرجوع إلى الوراء، والتغني بالأمجاد السابقة، واجترار أحداث الماضي التي تجعلنا ننشغل عن الواقع المعاش والمشاكل المعاصرة.

والموقف الثاني: على العكس من ذلك حيث يهتم بهذه الذكرى ويرى ضرورة الاحتفاء بها، ولكن بشكل يقتل في الذكرى روحها، ويفقدها قيمتها وأبعادها، إذ يكتفي بمظاهر الزينة والفرح وتوزيع الحلويات والتعطيل وتبادل التهاني إن كانت الذكرى سارة، وبالحزن والبكاء والسواد إن كانت محزنة. وكلا الموقفين خاطئ.. ولكي نكون منصفين ينبغي التأكيد على شمولية الأعمال واتساع الرؤية تجاه مختلف معطيات الحياة وتجلياتها بحيث لا نتحول إلى الرؤية من أحادية الرواية ونهمل أموراً ايجابية  صحيح أن على الأمة أن تشتغل بمشاكلها المعاصرة وأوضاعها المعيشية، ولكنها في نفس الوقت تحتاج إلى الارتباط بماضيها العريق وتاريخها المجيد لتشعر بالأصالة وتنطلق من موقع قوة، وتحفز أبناءها على العمل بجد ونشاط لاستعادة مجدها واستئناف دورها القيادي في الحياة، وإلا فإن الأمة التي لا تملك تاريخاً أو لا ترتبط بذلك التاريخ يصاب أبناؤها بعقدة الحقارة والتطفل على الآخرين والتبعية لهم، وبالتالي يستقبلون الحضارات الأخرى بخضوع وانهزام، وهذا هو سبب اتجاه قطاعات كبيرة من الأمة نحو الشرق والغرب.

وصحيح أيضًا أن استقبال  الذكريات بقصائد المدح ومظاهر الزينة فقط استقبال محدود ولم يفلح في استثمار الذكرى، والموقف الصائب الذي يجب أن تتخذه أمتنا تجاه هذه الذكرى المجيدة هو موقف التوعية والدرس ومحاسبة الواقع على ضوء الذكرى.

فمثلاً: في هذه الأيام تمر علينا ذكرى عظيمة خالدة من أعز من أعز المناسبات الدينية الجليلة وأروعها، وهي ذكرى ميلاد رسول الإسلام الأعظم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يجب أن نحتفي بهذه الذكرى العطرة؟

وهل نكتفي أن نجعل يوم ميلاده بالمديح وتعليق الزينة والشعارات والأنوار الخضري على المساجد والميادين العامة وكم مسرحية على التلفاز والإذاعة وحسب ؟

نعم هذه المظاهر من الاحتفال والمديح بالقصائد والاشعار الجميلة والتزيين شعائر مهمة لا ندعو إلى التخلي عنها، فهي تعطي للذكرى أبعاد التكريم والاهتمام وتعبر عن مشاعر الأمة، ولكن لا لاينبغي الاكتفاء بها والوقوف عند حدودها؛ بل يجب توعية الأمة بقيمة هذه الذكرى وبحياة صاحبها بحيث تخلق نوعاً من الارتباط والا نشد اد النفسي والعلمي بين الأمة وصاحب الذكرى وهو الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الأقل فلنعامل ذكرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما نعامل ذكريات الثورات الوطنية وأعياد الحكام والرؤساء، حيث تنشط أجهزة الإعلام، من إذاعة وتلفزيون وصحافة ولافتات، لتشرح للشعب دور وانجازات ذلك الحاكم وتبث أقواله وكلماته.

علينا أن نذكر الأمة بأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم ولد في مثل هذه الأيام يتيماً، مات أبوه وهو جنين في بطن أمه، وفقد أمه وهو ما يزال في العقد الأول من عمره، ولكن هذا اليتيم أصبح بعد نصف قرن قائد أمة كانت العقل المحرك للعالم، ومؤسس دولة هي المثل الأعلى للعدالة والحرية، وباني حضارة لم يعرف التاريخ لها مثيلاً، فكيف تحول ذلك اليتيم إلى هذا القائد المؤسس الباني وكيف استطاع تحقيق كل ذلك؟ والجواب واضح جداً، بالرسالة التي حملها بالتضحية التي بذلها.

وهذه الرسالة هل هي مختصة بمحمد أو هل انتهت بموته؟ كلا إنها خالدة، وهي بين أيدينا، و بإمكان أي واحد منا أن يحملها ويتبناها، ويغير بها مجتمعه باتجاه التقدم والسعادة، ولكنه يحتاج إلى الشق الثاني وهو التضحية والجهاد! فهلا تكون ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة والسلام محفزة لنا على التضحية من أجل الله والجهاد في سبيله؟ وفي ذكرى ميلاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يجب أن نتذكر كيف أن هذا اليتيم الذي نشأ في صحراء الجهل والظلام، وفي أحضان الأمية والتخلف صار يكتب إلى هرقل ملك الروم وإلى كسرى إمبراطور الفرس، وإلى جميع الرؤساء والملوك يكتب إليهم عبارة موجزة، تفيض حروفها ثقة بالنفس، وتشع كلماتها صموداً وقوة، من محمد عبدالله ورسوله إلى ... اسلم تسلم والسلام!! يومها ما كان الرسول يملك بترول اليوم، ولم يكن المسلمون بهذا الحجم والقوة، ولكنهم كانوا يحملون رسالة الحق والعدل والحرية، ويملكون روح التضحية والجهاد والفداء، ويعرفون دورهم وهدفهم في هذه الحياة، فحينما سأل إمبراطور الفرس رسول المسلمين وكان أعرابيا بسيطاً، قال له: ما الذي جاء بكم؟ أجاب بكل ثقة وتصميم: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

وبذلك استطاعوا أن يسودوا العالم، أما نحن الآن فينازعنا الأعداء سيادتنا على أنفسنا وأراضينا ومقدساتنا، لأننا أضعنا الهدف الذي أوجده أجدادنا، وفقدنا الروح التي كانوا يحملونها، وصدق الله العظيم إذ يقول:( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة الأنفال:53. دعونا نعود إلى انفسنا ونعود إلى بناء الذات ومكافحة التواكل والتبلد ولسلبية في مواقفنا وفي سياستنا نحن مطالبون اليوم مثل أي وقت مضى لإعادة الاعتبار لمواقفنا والخلاص من الرؤية المحدودة الافق والاحادية الاتجاه .. وهذا يوجب توحيد المواقف وتهيئة الظروف لنجاح مساعينا الخيرة في بناء التنمية وفي بناء واعداد الإنسان المتسلح بثقافة الإسلام والقائد والحاكم المؤمن بقيم الأمة الإسلامية قدوته نبيه المصطفى المختار محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .  نتابع القراءة من كتاب في رحاب الحبيب المصطفى بإذن الله سبحانه وتعالى

*المؤلف العميد القاضي حسن حسين الرصابي

تقييمات
(2)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا