كتابات | آراء

بوح اليراع: تحريض (ماكروني) ذكي ضد التغوُّل الأمريكي

بوح اليراع: تحريض (ماكروني) ذكي ضد التغوُّل الأمريكي

كل المتغيرات التي تعصف بالساحة الدولية بشكلٍ عام وبالساحة الغربية بشكلٍ خاص تعكس -بجلاء- تدهور العلاقات بين فرنسا وأمريكا، إذْ لم يعد يخفى على أحد ما تلعبه الأولى -ضد الثانية- من دور تحريضيٍّ بنَّاء في كافة قارة أوروبا.

وإنَّ التباين النسبي بين الموقفين الأمريكي والفرنسي من الحرب الروسية الأوكرانية وحرص الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» -في تنافٍ شبه تام مع تشدد الإدارة الأمريكية من سيد «الكرملين»- على ديمومة التواصل الدافئ -بين الحين والحين- مع الرئيس الروسي «فلادمير بوتين» وسعيه الحثيث لإيجاد صيغة تفاوضية مثلى لإنهاء المواجهات الدامية التي تدور رحاها في الشرق الأوكراني قبل تحقق الرغبة الأمريكية في حدوث هزيمة مذلة لروسيا، إنَّ كل ذلك قد أعاد -الآن- إلى الأذهان الأزمة السياسية التي تفجرت بين البلدين الأطلسيين بسبب تطفُل واشنطن -بتواطؤٍ ضمنيٍّ من لندن- على صفقة بيع غواصات لأستراليا متسببةً -في المقابل- بإلغاء عقد تجاري قيمته 50 مليار دولار أسترالي كانت «سيدني» قد أبرمته مع «باريس» مقابل تزويد البحرية الأسترالية بـ12 غواصة «شورتفين باراكودا» التي تنتجها شركة «نافال جروب» الفرنسية، تلك الأزمة التي كشفت عن افتقار التعاملات الأمريكية إلى الحدِّ الأدنى من الوفاء وعدم مراعاتها مصالح أخلص الحلفاء، وكشفت لفرنسا -بالرغم من أنّ أطراف الأزمة دخلوا في جولة تفاوض انتهت بحصول فرنسا من أستراليا على تعويضٍ ماليٍّ باهظ- ما بين «قصر الإليزيه» و«البيت الأبيض» من تناقض.
بل إنَّ إصرار «ماكرون» على ديمومة التواصل مع القيادة الروسية التي يتعرض –بسببها- للانتقادات الأمريكية تؤكد اتكاءه على المواقف الفرنسية حينما كانت فرنسا تقود معارضة أوروبية مناهضة للحملات العسكرية الأمريكية البربرية.
ولأنَّ فكرة إنشاء «الاتحاد الأوروبي» فكرة فرنسية بدرجة أساسية، وهي فكرة قابلة –بالنظر إلى تأريخية ريادة «فرنسا» في قارة أوروبا وبالنظر إلى ما عرف عن أمريكا من تغوُّل جعل حلفاءها في وضع مذل- للتحول إلى «ناتو أوروبي» مستقل.
ولعل في ما أبداه ماكرون -أثناء زيارته للصين ممثِلًا جميعَ الأوروبيين- من نفي أية تبعيَّة أوروبيَّة لـ«لأمريكان» في ما يتعلق بإنكار الهويّة الصينية لـ«تايوان»، مؤشر على جدية نوايا معظم دول أوروبا في محاولة الخروج من عباءة أمريكا.
والحقيقة أنّ‌ معظم فعاليات ومحطات زيارة «ماكرون» إلى العاصمة الصينية -على الرغم من أنَّ هدفها حضُّ «بكين» على لعب دور إيجابي إزاء المواجهات الروسية الأوكرانية- قد استغلت لاستهداف دول القارة الأوروبية بتحريضات «ماكرونية» ذكية ضد التغولات الأمريكية المتمثلة باستخدام معظم تلك الدول لمشاركتها خوض معاركها الانتقامية القديمة، فتشاطرها -إن هزمت- مرارة الهزيمة، وتحرم -إن انتصرت- من مشاركتها الغنيمة، وقد تجلت أهم عبارات تلك التحريضات في اشتمال التقرير التحليلي المعنون [رفض التبعية لواشنطن أو بكين في قضية تايوان.. ماكرون: على أوروبا أن تبحث عن مصالحها لا عما يريده الآخرون] الذي نشرة موقع «الجزيرة نت» في الـ9 من أبريل الحالي على ما يلي: (دعا الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» أوروبا إلى عدم "الدخول في منطق الكتلة مقابل الكتلة"، مشددًا على ضرورة ألا تكون "تابعة" للولايات المتحدة أو الصين في ما يتعلق بتايوان.
ودعا أوروبا إلى "الاستيقاظ"، مضيفا:  "إنَّ أولويتنا ألا نتكيف مع أجندة الآخرين في مختلف مناطق العالم".
وتابع: "لماذا علينا اتباع الإيقاع الذي يختاره الآخرون؟ في مرحلة ما، علينا أن نطرح على أنفسنا سؤال أين تكمن مصلحتنا؟ علمًا أننا لا نريد الدخول في منطق الكتلة مقابل الكتلة".
وفي مقابلته مع صحيفة "ليزيكو"، دعا الرئيس الفرنسي إلى أن يكون "الاستقلال الاستراتيجي" هو "معركة أوروبا"، محذرًا من أن تسارُع الاحتكار الثنائي"الصيني الأميركي" قد يؤدي إلى خسارة الوقت والوسائل لتمويل هذا "الاستقلال الإستراتيجي".
وأضاف مستنكرًا ومحفزًا: "سنصبح تابعين، في حين أننا قادرون على أن نكون القطب الثالث إذا كانت لدينا بضع سنوات لتأسيسه").

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا