كتابات | آراء

حديث الإثنين: السياسة العُمانية وحرصها على تماسك العلاقات العربية

حديث الإثنين: السياسة العُمانية وحرصها على تماسك العلاقات العربية

منذ وصوله إلى سدة الحكم في سلطنة عمان يوم 23 يوليو عام 1970م انتهج جلالة السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- سياسة حكيمة قامت على أساس الحياد الإيجابي وعدم الانحياز لأي طرف عربي يعادي طرف آخر

كما تميزت السياسة العمانية بالمبادرات التصالحية وإن كان السلطان قابوس قد واجه صعوبات خلال سنوات حكمه الأولى بسبب دعم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا للجبهة المعارضة لحكمه التي كانت تنطلق من عدن وينتشر عناصرها في ظفار وحتى يتجنب المواجهة مع عدن فقد بعث برسالة إلى الترويكا الحاكمة ممثلة في عبد الفتاح إسماعيل وسالم ربيع علي وعلي ناصر محمد وطلب منهم إيقاف دعمهم للجبهة وإقناعها بالدخول معه في حوار لكن الرد كان قاسيا من قبل الترويكا الحاكمة في عدن، فقد هددوا بالعمل على اسقاط حكم السلطان قابوس ووصفوه بأنه إمبريالي ورجعي وحين وصل التفاهم إلى طريق مسدود أضطر السلطان قابوس للاستعانة بإيران الشاه والأردن فتم إرسال قوات مسلحة من البلدين إلى سلطنة عمان خاضت مع القوات العمانية معارك شرسة انتهت بتحرير ظفار وطرد عناصر الجبهة المعارضة منها والتقدم لاحتلال أراض يمنية لم يتم استعادتها إلا عبر التفاوض عقب إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وهذا هو التفريط الثاني لحكام عدن آنذاك في الأرض اليمنية بعد أن كانوا قد فرطوا من قبل في مناطق شرورة والوديعة التي احتلتهما السعودية عندما دخلوا معها في مواجهة لم يجنوا منها سوى المزايدة بالشعارات الرنانة.
عقب تحقيق الانتصار على عناصر الجبهة المعارضة انسحبت القوات الايرانية والأردنية من السلطنة وتم فتح حوار مع قادة الجبهة فعادوا الى مسقط للمشاركة في الحكم حيث عين منهم يوسف بن علوي وزيرا للخارجية وظل محافظا على هذا المنصب لتسيير السياسة الخارجية إلى ما بعد رحيل السلطان قابوس وعين عبد العزيز الرواس وزيرا للإعلام فشارك الجميع في بناء سلطنة عمان الجديدة واستطاع السلطان قابوس أن يحقق إنجازات عظيمة رغم محدودية الامكانيات مقارنة بدول الجوار في مجلس التعاون الخليجي وأصبح لعمان صوت مسموع بفضل سياسة السلطان قابوس الحكيمة وغير المتحيزة لأي طرف عربي يعادي آخر وسنورد هنا نماذج جعلت سلطنة عمان وشعبها محبوبان لدى كل الشعوب العربية ليس ذلك فحسب وإنما كان الحكام العرب يلجاؤون لقيادة السلطنة للتدخل في حل خلافاتهم، على سبيل المثال عندما زار الرئيس أنور السادات إسرائيل ووقع على اتفاقية كمب ديفيد مع مناحيم بيغن رئيس وزراء الكيان الصهيوني برعاية الرئيس الأمريكي كارتر عقد الحكام العرب مؤتمر قمة في بغداد اتخذوا فيها قرارا يقضي بمقاطعة مصر وسحب كل السفراء العرب من القاهرة إلا سلطنة عمان فقد كان لها موقف مغاير مؤكدة بإن العرب سيعودون إلى مصر فأبقت سفيرها في القاهرة رافضة قرار المقاطعة وقد قتل سفيرها- رحمه الله- في حادث المنصة الشهير الذي ذهب ضحيته الرئيس أنور السادات وعدد من المسؤولين، وفعلا لم تمض إلا فترة على قرار المقاطعة حتى عقد الحكام العرب مؤتمر قمة آخر في بغداد ايضا تم فيه إلغاء المقاطعة وعودة العلاقات الدبلوماسية العربية مع مصر، وعندما اندلعت الحرب العراقية– الإيرانية العبثية التي استمرت ثمانية أعوام قضت خلالها على قدرات البلدين وقفت الدول العربية بتوجيهات أمريكية إلى جانب العراق باستثناء سوريا وليبيا وقاطعوا إيران دبلوماسيا إلا سلطنة عمان التي كان لها موقف محايد فقد رفضت أن تقطع علاقتها مع إيران وكانت هي الدولة العربية الوحيدة التي حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد وطهران وكان يستفاد منها للتواصل بين البلدين طيلة أعوام الحرب  وانتهت الحرب بلا منتصر ولا مغلوب بل إن صدام حسين أثناء غزوه للكويت أعاد اعترافه بتقاسم شط العرب بين العراق وإيران والذي كان قد جعل منه سببا لغزو إيران وإلغاء الاتفاقية التي وقعها شخصيا عندما كان نائبا للرئيس احمد حسن البكر مع شاه إيران آنذاك محمد رضا بهلوي في مقابل قطع طهران الدعم عن الأكراد الذين كانوا يعارضون الحكم في بغداد ويطالبون بالاستقلال وتم منحهم الحكم الذاتي.
وكانت هذه الاتفاقية مع شاه إيران سببا في طرد الإمام الخميني من العراق عندما بدأ الدعوة لإسقاط حكم الشاه لأن القيادة في طهران هددت بإعادة تقديم الدعم للأكراد لوتم السماح للإمام الخميني بممارسة نشاطه ضد الشاه فتسبب ذلك في خروج الإمام الخميني إلى فرنسا ومواصلة دعوته من هناك لإسقاط حكم الشاه وحدوث عداء شديد بين صدام والخميني وكان كل منهما متربصا بالآخر، النموذج الثالث لسياسة السلطنة الحكيمة أنها لم تشارك في شن الحرب على اليمن رغم مجاملتها للسياسة السعودية فأبقت قناة التواصل مفتوحة مع صنعاء وهو ما أتاح لها الفرصة أن تقوم بدور إيجابي كوسيط بين صنعاء والرياض واحتضنت الوفد الوطني المفاوض في العاصمة مسقط  وقد استطاعت السلطنة أن تحقق من التقارب والتهدئة ما لم يستطع تحقيقه مندوبو الأمم المتحدة الذين كانوا ينحازون إلى تحالف العدوان ويتبنون وجهة نظره بضغط من الادارة الأمريكية صاحبة المصلحة الأولى في استمرار العدوان على اليمن وشعبه العظيم وبناء قواعد عسكرية على أراضيه ونهب ثرواته كما تفعل حاليا وتتدخل بشكل مباشر لإفشال الوساطة العمانية وثني السعودية عن التجاوب معها رغم أنها المتضرر الأكبر من شن الحرب على اليمن وستعود نتائجها عليها بالخسران، ومع ذلك لا يزال هناك أمل يلوح في الأفق بأن سلطنة عمان  قادرة على التحرك ومواصلة مشوار الوساطة وإقناع كل الأطراف الداخلة في عملية تحالف العدوان لإنهاء عدوانهم الظالم ورفع الحصار الجائر وتحمل مسؤولية ما ترتب عليه من جور وظلم أضر بالشعب اليمني وبنيته التحتية وما تكبده من خسائر في الأرواح التي لم يسلم منها حتى الأجنة في بطون أمهاتهم.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا