كتابات | آراء

بوح اليراع: قمة الأقزام ومسيرة الأعلام

بوح اليراع: قمة الأقزام ومسيرة الأعلام

من سوء طالع القمم العربية أنَّ انعقادها في الأقطار التي تتبنى قضايا الأمَّة يُمنى بالكثير من المقاطعة، كما حصل مع القمة الـ31 العام الماضي في «الجزائر»، بينما يحشد لنقيضاتها إلى أقصى حدّ ويُعد لها ما لا تستحق من العدة، كما حصل مع القمة الـ32 «قمة جدة».

القمة مهرجان دعائي لـ«ابن سلمان»
إذا كانت النسخة الـ32 من القمم العربية التي انعقدت يوم الجمعة الـ19 من مايو الجاري في مدينة جدة قد خرجت -شأنها الكثير من النسخ التي سبقتها- ببيان ختامي محشوٍّ بالكثير من البنود ذات الألفاظ والعبارات الفضفاضة المألوفة منذ عقود طائلة التي تحلق -عادةً- بالمؤتمرين بعيدًا عن الواقع العربي المزري، ولا تلامس الهموم العربية الماثلة، فقد زجَّ بها انفرادُ الهيمنة السعودية على مجرياتها في متاهاتٍ دعائية تمجيدية بعيدة عن مجالات اهتمامها التقليدية، وليس أدلّ على ذلك -بحسب ما ورد في صحيفة «العرب» الإماراتية يوم الجمعة الموافق 19 مايو الجاري- من (وصول الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» إلى مدينة «جدة» لحضور القمة العربية في السعودية في حدث مفاجئ، لكن الزيارة جاءت بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»)، وليس أدلّ عليه -أيضًا- من اختتام خبر صحفي نشرته صحيفة «حفريات» الالكترونية بما يلي: (وقال مسؤول في جامعة الدول العربية لوكالة رويترز: "حضر زيلينسكي القمّة الجمعة بدعوة من السعودية وليس من الجامعة العربية"، وأفاد مسؤول سعودي ”أنّ ممثلًا عن السفارة الروسية حضر القمّة العربية أيضًا“).
وفي هذه الخطوة الخارقة للعادة والكاسرة للإرادة ترويجٌ دعائيٌّ لما سيقوده الأمير الغر من وساطة مدَّعاة إسهامًا في ذيوع صيته وتردد صداه، وقد قوبل هذا الإجراء الانفرادي المستخف بآراء الدول الأعضاء بانتقاد الإعلام الحر الذي يعبر عن قوة شكيمة جمهورية «الجزائر»، فقد أشير في سياق التغطية الإخبارية لصحيفة «العرب» إلى (تركيز 3 صحف جزائرية وواسعة الانتشار وقريبة من السلطة وهي صحيفة «الخبر» الناطقة بالعربية وصحيفتي "ليكسبريسيون" و"لوسوار دالجيري" الناطقتين بالفرنسية على الحدث حتى قبل تأكيده رسميًّا، فقد أوردته بالبنط العريض في صفحاتها الأولى مع صورة لولي العهد السعودي في رسالة مشفرة للمملكة معبرة عن امتعاضها من دعوة الريس الأوكراني ووصفها بأنها محرجة للعرب).
تعامي قمة الأقزام عن مسيرة الأعلام
 «مسيرة الأعلام» تقليد صهيوني سنوي تتجمهر خلاله جموع حاشدة من الصهاينة على رأس كلَّ عام حاملة الأعلام الصهيونية إحياءً لذكرى احتلال كيانهم مدينة القدس -ضمن ما كان من احتلاله «قطاع غزة» و«صحراء سيناء» و«الضفة الغربية» و«مرتفعات الجولان» - في ما سمي «نكسة حزيران» حين مُنيت عدة جيوش عربية عام 1967 أمام الجيش الصهيوني بالهزيمة والخسران.
ومنذ نصف قرنٍ وبضع سنين توجِّه سلطاتُ الكيان قطعان المستوطنين الذين يحملون الأعلام بالقيام -على رأس كل عام- بمسيرات حاشدة تجوب -بشكلٍ استفزازي- أحياء مدينة القدس بدءًا بالبلدة القديمة، بكل ما ينطوي عليه ذلك الإجراء القديم الجديد من تأكيد على التمسك بل التملك الصهيوني الشديد بالمدينة المقدسة التي تتعرض -على مدى عقود- لكافة  أساليب التهويد.
وعادة ما تسبق أو تترافق هذه المسيرات الاستفزازية بعمليات اقتحام للحرم القدسي «ثالث مقدسات الإسلام ومسرى سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام»، وطرد المرابطين من رحابه الطاهرة بالقوة القاهرة، والسماح لمتطرفي المستوطنين بتأدية بعض الطقوس التعبدية التلمودية.
ولأنَّ هذه المسيرات آخذةٌ في التطوُّر بشكلٍ مستمر، فإنَّ أعداد المشتركين فيها تتزايد من عام إلى عام، قد أصحبت في السنوات الأخيرة -بالنظر إلى كثرة ما يقوم به المشتركون فيها من اعتداءات على أشخاص وممتلكات الفلسطينيين بالإضافة إلى كثرة عناصر الشرطة المكلفة بحماية المسيرة ومساندة عناصرها بالتمادي في اعتداءاتهم الكثيرة- مظهرًا من مظاهر استعراض القوة القادرة -من وجهة نظر صهيونية- على مصادرة الحقوق العربية في فلسطين وما بعد فلسطين عنوة، لاسيما وقد حظيت هذا العام بالمزيد من الاهتمام الذي ترجم -بحسب ما جاء في أخبار «الجزيرة نت» المنشورة مساء 18 مايو الجاري- بانضمام (وزير الأمن القومي المتطرف «إيتمار بن غفير»، ووزير المالية المتطرف «بتسلئيل سموتريتش»، ووزير الطاقة «يسرائيل كاتس»، ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست «يوئيل إدلشتاين»، إضافة إلى أعضاء من الكنيست عن الليكود وأحزاب الصهيونية الدينية).
ولأنَّ مسيرة هذا العام -بالنظر إلى حدوثها عشية انعقاد القمة العربية في مدينة «جدة» السعودية وبالنظر إلى ما اتسمت به من كثرة الاعتداءات القولية والفعلية- قد احتملت خطورة غير مسبوقة اعتبرتها بريطانيا وأمريكا -كما جاء في ختام تقرير تحليلي في موقع «الشرق» الإخباريّ- خطورة مقلقة، فقد تعاملت معها «قمة جدة» التي انعقدت على مقربة من البيت الحرام بتعامٍ تام، وبما يؤكد أنها «قمة أقزام» مهمتها الأساس صرف أنظار أحرار الأمة -في سبيل لفت انتباه العوام إلى انجازات الأمير المتوهم إنجازها في قادم الأيام- عمَّا يمثل أمامهم من مهام جسام.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا