كتابات | آراء

ثورة 26 سبتمبر والتدخل السعودي لحرف مسارها

ثورة 26 سبتمبر والتدخل السعودي لحرف مسارها

ونحن نستحضر الذكرى الواحدة والستين لثورة 26 سبتمبر التي تصادف يوم غد الثلاثاء الموافق 26 سبتمبر 2023م وما رافق مسيرتها من اختلالات حرفت مسارها الوطني

لا بد أولا  أن نؤكد أن موقع اليمن الجغرافي الحساس والثروات التي تختزنها أرضه المعطاءة والتي لم تستخرج بعد ولما يُشكله اليمن من أهمية في المنطقة والعالم فإن العين عليه ستظل حمراء وتحديداً من قبل الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل إداراتها المتعاقبة على تثبيت تواجدها في اليمن وإنشاء قواعد عسكرية لها فيه وتسليط السعودية كأداة لتنفيذ أجندتها ليس مُنذ أمد قريب وإنما مُنذ أكثر من ستة عقود فالنظام السعودي لم يكن يهمه إلى ماقبل عام 2000 م من اليمن وشعبه سوى العمل على ضمان تبعية الأراضي اليمنية التي اقتطعها في حربه الأولى على اليمن عام 1934م بعد تأسيس مملكته السعودية بأقل من عامين وضمها إلى أراضي مملكته بموجب معاهدة الطائف بين الإمام يحيى حميد الدين ملك اليمن آنذاك والملك عبد العزيز آل سعود ملك السعودية وقد اشترطت هذه المعاهدة في مادتها الأخيرة أن يتم تجديدها كل عشرين عام حتى يتم البت في تبعية هذه المناطق التي كانت تعرف بالمخلاف السليماني تحت إدارة الأدارسة المرتبطين بالحكم العثماني في اسطنبول ومنها جيزان وعسير ونجران إلى أي من البلدين المختلفين حولها كتأكيد على أن معاهدة الطائف لم تفرط في يمنية هذه المناطق وأبقت الباب مفتوحاً بالإضافة إلى أن هناك ملاحق سرية مرفقة كانت تقدم بموجبها السعودية ميزات لليمنيين وخاصة العمالة والحجاج ودعم ميزانية الدولة في مقابل بقاء الأراضي تحت السيطرة السعودية حتى يتم الاتفاق النهائي حولها وهذه الملاحق السرية تنازل عنها حُكام النظام الجمهوري عندما تنازلوا عن الأرض واستلموا الثمن مقدماً ولذلك فقد تم التجديد الأول لهذه المعاهدة أثناء زيارة الملك سعود لصنعاء ولقائه بالإمام أحمد حميد الدين ملك اليمن عام 1954م والتجديد الثاني تم في الرياض عام 1974م في عهد القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق والملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية بالرغم من أن قادة ثورة 26 سبتمبر كانوا قد أصدروا بياناً بعد قيامها مباشرة ألغوا بموجبه معاهدة الطائف وسحبوا الاعتراف بها وقام الطيران المصري أثناء تواجده في صنعاء بقصف جيزان  ونجران  ووقع التجديد الثاني عن اليمن القاضي عبد الله الحجري عضو المجلس الجمهوري ورئيس الوزراء آنذاك وأُجبر بعد عودته إلى صنعاء على الاستقالة من رئاسة الحكومة لأنه لم يكن يحمل تفويضاً بالتوقيع من قبل المجلس الجمهوري وقد شكلت هذه الواقعة بداية النهاية لحكم القاضي عبد الرحمن الإرياني لأن السعودية اعتبرت موقفه المعارض لتجديد المعاهدة خروجاً على بيت الطاعة.
وفي عهد الشهيد ابراهيم الحمدي حاول النظام السعودي بشتى الطرق أن يحصل على اعتراف مجلس القيادة برئاسة الحمدي على تبعية الأراضي اليمنية للسعودية ولكنه لم يفلح فكان عقاب الشهيد الحمدي ان تم اغتياله والقضاء على مشروعه الوطني الهادف إلى بناء دولة مدنية حديثة تستقل بقرارها وتتحرر من الوصاية الخارجية وحين استشعر النظام السعودي خطر هذا التوجه الوطني لدى اليمنيين سارع للعمل على محاصرته من خلال تنصيب تحالف ثلاثي لحكم ما كان يعرف بشطر اليمن الشمالي وقد وضع على رأس هذا التحالف الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والجنرال الهارب علي محسن صالح الذين تقاسموا فيما بينهم كل شيء في اليمن براً وجواً وبحراً وحتى الإنسان لم يسلم من هذه التقسيمات  حيث أصبح الولاء لكل جهة كالطاعة العمياء ولولا أن الله سبحانه وتعالى قد جعل الخلاف يدب في أوساط هذا التحالف الثلاثي الذي هو أشبه بعصابة وكان اليمنيون مخدوعين فيه لظل هذا التحالف الثلاثي يحكم اليمن لمئات السنين بواسطة الأولاد والأحفاد فقد كان حكماً أسرياً بامتياز وأصبجت أهداف ثورة 26سبتمبر الستة في عهده عبارة عن شعار يتم التغني به إعلاميا ولم تطبق على ارض الواقع حتى جاءت ثورة 21 سبتمبر الشعبية وتبنتها عمليا، ولأن النظام السعودي كان صاحب الفضل في إيصال هذا التحالف الثلاثي إلى الحكم في اليمن الذي استمر مدة ثلاثة وثلاثين عاماً فقد حقق كل أهدافه عبره ومن أهمها اعترافه بتبعية الأراضي اليمنية للسعودية رسميا من خلال اتفاقية جدة التي تم التوقيع عليها في 12 يونيو عام 2000م  حيث فرط النظام الجمهوري فيما حافظ عليه النظام الملكي وأثبت أنه كان أكثر وطنية والدليل على ذلك أن فنادق الرياض اليوم تمتلئ بمن يعتقدون أنفسهم بأنهم قادة جمهوريون مثقفون وتقدميون وهم يستظلون تحت جناح نظام ملكي كهنوتي وأسري أفقد شعبه حتى هويته الوطنية ونسبه إلى اسم الأسرة التي تحكمه ومن العجيب أنهم يفتخرون بالاستعانة به لتدمير بلدهم  .
لكن لأن الله أراد لليمن أن يخرج من وضعه المفروض عليه فقد تغير المشهد السياسي على الساحة اليمنية فجأة عقب انتفاضة الشباب عام 2011 م وانقلب كل شيء رأساً على عقب بسبب الغباء السياسي لعبدربه منصور هادي الذي جعل منه النظام السعودي عرابه الأول بعد تنصيبه رئيسا في اليمن بموجب ما عرف بالمبادرة الخليجية اضافة إلى تساقط رموز السعودية المعتقين الذين لم يعملوا حسابهم لمثل هذا اليوم الاسود في تاريخهم لأنهم اساساً كانوا مشغولين بمصالحهم الخاصة ومعتمدين في تسيير الأمور على أمهم الحنون امريكا والسعودية ففلت الزمام من أيديهم ،غير مستوعبة السعودية أن ما يجري على ارض الواقع  اليوم هو الذي سيفرض نفسه كونه معبراً عن إرادة اليمنيين الحقيقية ، ولأن الله أراد لليمنيين أن يتحرروا من الهيمنة والوصاية الخارجية خاصة السعودية فقد قامت ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014 م التي  اكملت عامها التاسع يوم الخميس الماضي فتبنت كل مطالب الشعب اليمني الوطنية في السيادة والحرية والاستقلال فكان رد فعل أمريكا وربيبتها السعودية على هذا التحول الجديد هو اللجوء إلى استخدام  كل قوتهما ونفوذهما لتغيير المعادلة وحين اصطدمتا بإرادة الشعب اليمني التواقة للحرية ووضع حدٍ نهائي للوصاية الخارجية شنتا عليه عدواناً همجياً لم يسبق له في التاريخ مثيلاً حيث لا يوجد له مبرر ولا مصوغ  قانوني سوى محاولة إخضاع الشعب اليمني لإرادتهما من جديد ، وهذا لن يحدث ابدا بإذن الله تعالى .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا