كتابات | آراء

إعصار واشنطن المتحطم على صخور باب المندب

إعصار واشنطن المتحطم على صخور باب المندب

مشهد خروج الملايين من أبناء الشّعب اليمني للسّاحات كلّ يوم جمعة لم يقتصر على الخروج دعماً لغزّة ووقف العدوان الصّهيونيّ عليها، بل كان أحد عناوين هذا الخروج المليوني الذي يحمل أبهى وأوضح تجليات الدّيموقراطيّة والحرّية والسّيادة

التي لم نشهدها في عواصم الدّول التي تتلطّى خلف الديموقراطيّة لإحكام سيطرتها على المنطقة وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. فخروج اليمنيّين المليوني هو إعلانٌ عن مبايعة الشّعب لقائد الثّورة السيّد عبد الملك الحوثيّ ولشرعيّة حكومة صنعاء وتأكيد على دعم غزّة والمقاومة في مواجهة العدوّ الصّهيوني والتصدّي للقوّات الأمريكيّة البريطانيّة وحلفائها ضمن معركة طريق القدس. فالشّعب اليمنيّ الذي لم تثنِه السّنوات الثّمانية من العدوان السّعودي الأمريكيّ الإماراتيّ عليه لن ترهبه الغارات الأمريكيّة البريطانيّة ولن تثنيه على التّراجع عن موقفه بمساندة غزّة لا أساطيل واشنطن ولندن بل ستزيده بأساً وعزيمةً على مواصلة التصدّي للعدوّ الصّهيوني والاستكبار العالميّ وسنوات العدوان الثمان تشهد على ذلك، بل تشهد بأنّ اليمنيّين لم تهزم لهم رايةٌ وأنّ اليمن أصبح قوّة اقليمية في المواجهة لا يستهان بها وهو واقعٌ أشارت إليه صحيفة معاريف تحت عنوان أسباب عدم استهانة إسرائيل بالحوثيّين نقلاً عن مراسل ومعلّق موقع "واللا" العسكريّ الدكتور أمير أبو خبوط الذي عبّر عن قناعته قائلاً: "كلّ من لا يحترم الحوثيّين وتنظيمهم العسكريّ لا يفهم الصّورة الكبيرة" مضيفاً "أنّنا ما زلنا في قتالٍ مع جيشٍ جاد ومنظّم، مع نقاط قوّة لا يتمّ التّعبير عنها فقط بصواريخ كروز أو صواريخ من السّاحل، بل على العكس. هذا حدث معقّد للغاية، نحن نبحث عن نقطة توازن حول كيفية إبقاء الطّريق البحريّ الدوليّ مفتوحاً من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى لإعادة الحوثيين إلى حجمهم الطّبيعي عندما هاجموا شركة النّفط السعودية قبل بضعة سنوات، في هجوم أعتبره استثنائيّاً في نوعيته، لم أر السّعوديّين والأميركيّين يخرجون عن طورهم للقضاء على الحوثيّين".
أمّا موقع واينت: فقد أشار إلى أنّه لأوّل مرّة منذ شهرين اعترضت منظومة حتس مقذوفاً من جهة البحر الأحمر نحو إحدى المستوطنات في ايلات تدعى تالي قدمون (58 سنة)، تحدّثت عن لحظة استيقاظها: "نزلت سريعاً إلى أسفل، إلى المكان المحصّن، عندما هدأ الأمر اعتقدت أنّ شيئاً قد حدث لأنّني سمعت صوت انفجارٍ وإسعافاتٍ، كان هذا مخيفاً، عندما خرجت إلى الشّرفة رأيت أثر صاروخ الاعتراض، لقد أصبحنا معتادين على صفّارات الإنذار هنا، لكنّها لم تكن منذ مدّةٍ طويلةٍ، منذ أن دخل الحوثيّون إلى الصورة فهمنا أنّنا مُهدّدون وهذا كان مقلقاً في البداية، لكن كما في كلّ إسرائيل نحن أيضاً اعتدنا على النزول إلى الأماكن المحصّنة، أشعر أنّني سأكون أكثر أماناً بالعيش في الغلاف".
يتكرّر المشهد كلّما استهدف اليمنيون إيلات أو أم الرشراش والمنطقة الصّناعية شحورت وإيلوت، تصدح صفّارات الإنذار منذرة بالخطر القادم من البحر ومعها ترتفع أصوات المستوطنين احتجاجاً واستنكاراً أمام عجزٍ حكوميٍّ بتقديم أيّ حلٍّ لهم سوى تصريحات الناطق باسم الجيش الإسرائيليّ حول اعتراض صاروخٍ يمنيٍّ من خلال منظومة حتس بنجاحٍ، وتقديم عمليّة التصدّي للصاروخ كإنجازٍ عظيمٍ لمنظومة الجيش الذي قيل بأنّه (لا يقهر)
بينما في الواقع إنّ تلك الصّواريخ اليمنيّة إضافةً إلى صواريخ المقاومة الإسلاميّة في لبنان ومسيّرات الحشد الشّعبي كلّها مجتمعة استدرجت الكيان الصّهيوني المؤقّت بجيشه وقوّاته البحريّة والجويّة ومنظوماته الأمنيّة والاستخباراتيّة وحوّلته من كيانٍ هجوميٍّ إلى كيانٍ دفاعيٍّ بات متآكلاً وهشّاً لولا الدّعم الأمريكيّ البريطانيّ غير المحدود له دون أن يحقّق أيّ تقدّمٍ وهو ما اعترفت به بعض وسائل إعلام وأشار إليه المعلّق العسكريّ في القناة 13 أور هيلر قائلاً: "بالرّغم من الائتلاف الدّولي برئاسة الأميركيّين والبريطانيّين، الذي يهاجم الحوثيين يومياً ومع ذلك ما يزال لديهم القدرات لإطلاق صواريخ أرض - أرض إذا أصاب فندقاً - لا سمح الله - في إيلات سيشكّل ضربةً قاسيةً لإسرائيل". هذا على مستوى استهداف القوّات المسلّحة اليمنيّة للكيان.
أمّا على مستوى استهداف القوّات الأمريكيّة والبريطانيّة وسفن الشّركات الدّاعمة للكيان الصّهيوني في البحر الأحمر كتب المتخصّص في الشّؤون العسكريّة والأمنيّة للعراق وإيران ودول الخليج العربي في معهد واشنطن الدّكتور مايكل نايتس تحليلاً حول تطوّر حركة الحوثيّ داخل "محور المقاومة"، الذي يضمّ إيران وسوريا و"حزب الله" اللّبنانيّ وفصائل من الحشد الشّعبي العراقي وحركة "حماس" يظهر من خلاله انتقالها من مكانةٍ هامشيّةٍ إلى مكانةٍ مركزيّةٍ، وخاصّة في دعمها لـ"حماس ونجاح جماعة الحوثيّين وفقاً لقوله في عولمة الصّراع وإعطائه بعداً دوليّاً وإقليميّاً وفرض تكلفة اقتصاديّة على المجتمع الدّوليّ. فالحوثيّيون وفقاً لنايتس نجحوا في استهداف السّفن في خليج عدن وباب المندب كما نجحوا في إطلاق الصّواريخ الباليستيّة باتجاه (إسرائيل) وباتوا يشكّلون قوّةً أساسيّةً في محور المقاومة الذي بات محوراً إيديولوجيّاً جهاديّاً مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمشهد الاستراتيجيّ الأوسع نطاقاً للمحور الذي بات يشكّل تهديدا للأمن البحري الدولي من خلال توسّع سيطرتهم وقدرتهم على الرّدع وتشديد الحصار البحريّ في خليج عدن وباب المندب وبالتالي فإنّ على الولايات المتحدة الامريكيّة وحلفائها اتباع نهج متعدّد الأوجه، تشمل استنفاد ترسانتهم، وإرغام إيران على تخفيف دعمها للجماعة، والتصدّي لقدرات الحوثيّين بشكلٍ مباشرٍ داخل اليمن، و بذل المزيد من الجهود الدّوليّة وتقديم المساعدات العسكريّة والأمنيّة للحدّ من نفوذ الحوثيّين. وهذا يعني أنّ القوّات المسلّحة اليمنيّة استطاعت أن ترسي معادلاتها بفرضها قواعد اشتباك وفقاً للآتي:
1 – إعطاء معركة غزّة بعداً دوليّاً من خلال نقل المواجهة مع العدوّ وداعميه في الولايات المتحدة الامريكيّة وبريطانيا من غزّة إلى البحر الأحمر وفتح جبهةٍ أكثر أهدافاً وأوسع نطاقاً وأنجع في فرض المعادلات.
2 – نجاح القوّات المسلّحة اليمنيّة بجعل العدوّ ضمن دائرة الاستهداف وكشف صورته الهشّة من خلال استمرار استهدافه بالصّواريخ والطّائرات المسيّرة.
3 – تحوّل اليمن المقاوم إلى قوّةٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ في المواجهة استطاعت كسر هيبة الأمريكيّ والبريطانيّ والصّهيونيّ وقلب المشهد في المنطقة التي تتسابق فيها الأنظمة نحو التّطبيع على المستويّين الشّعبيٍ والعسكريٍ
وفي النتائج أيضاً فإنّ هجمات القوّات المسلّحة اليمنيّة كشفت عن مدى التّخبّط الذي يعيشه الكيان الصّهيوني نتيجة عمليّات التّحويل في مسارات الشّحن الذي انعكس على الكيان سلبا او أقلّها فرض حالة من التخبّط داخل الكيان الصّهيوني إضافةً إلى كشف تلك العمليّات عن نقاط الضّعف الاستراتيجيّة وعجز قوى الاستكبار وفي مقدّمتهما الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا عن كسر الحصار في البحر الأحمر أو على الأقلّ الحدّ من هجمات القوّات المسلّحة اليمنيّة التي لا زالت مستمرّة بالرّغم من عدم تكافؤ موازين القوى في المواجهة التي ستحسم نتيجتها كما حسمت نتيجة تسع سنوات من العدوان الكونيّ على اليمن بخروجه منتصراً كذلك سيخرج اليمن منتصراً لغزّة وفلسطين والأمّة وللعرب والمسلمين.

#كاتب وإعلامي لبناني

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا