أخبار وتقارير

أفغانستان.. بين نقطة خلاف على أرضية تقاسم السلطة

أفغانستان.. بين نقطة خلاف على أرضية تقاسم السلطة

تقع عند مفترق طرق آسيا الوسطى وجنوب آسيا وغربها والشرق الأوسط، وهي بلد غير ساحلي تحيط معظم أنحائها جبال وتلال وعرة يحدها من الشمال طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان،

ومقاطعة كسنجيانغ الصينية في الشمال الشرقي، وإيران في الغرب وباكستان في الشرق.
يشكل المسلمون أكثر من 99,9% من الشعب الأفغاني، منهم نحو 20% من الشيعة و80% من السنة فيما تشكِّل الجماعات غير المسلمة بمن فيهم الهندوس والسيخ واليهود أقل من 0,1%  من السكان، وأبرز الجماعات العرقية التي تعيش في أفغانستان الباشتون ويمثلون 50% والطاجيك 30% والهزارة 9% والأوزبك والتركمان والقيرغيز والكازاخ 9%، اللغة الرسمية هي الفارسية إلى جانب الباشتو.
ومنذ منتصف القرن الثامن عشر لعبت قومية الباشتون دورا مهيمناً في تاريخ أفغانستان السياسي، وخلال القرن التاسع عشر كانت أفغانستان ساحة معركة تنافس بين بريطانيا وروسيا في محاولاتهما السيطرة على آسيا الوسطى، واحتفظ البريطانيون ببعض السيطرة على الشؤون الخارجية الأفغانية إلى أن استقلت عام 1921م في عهد الملك أمان الله (1929- 1919م) الذي أجرى سلسلة من الإصلاحات الدستورية العلمانية والليبرالية في محاولة لتحديث البلد والانفتاح على العالم الخارجي، فأنشئت المدارس والبرامج التعليمية الحديثة، واقرار أول دستور في عام 1923م في محاولة لتنظيم السلطة المركزية الأفغانية، وسُمح للنساء بالحرية واتخذت مبادرات للنهوض بتعليمهن.
قيام الجمهورية
أدت إصلاحات الملك أمان الله إلى تمرد سميّ بالجهاد وانتهى بإسقاطه وفي الثلاثينات من القرن الماضي كانت محاولات الملك ظاهر لتحديث أفغانستان أكثر تواضعاً وتوجها ًإلى التحُضر، فأعيد إدخال التعليم الحديث في المدن ووضع الأساس لجامعة كابول. وفي عام 1964م جرى إدخال دستور ليبرالي جديد تحت حكم الملك ظاهر ونظام ديمقراطي برلماني منتخب، وشهد العقد التالي تحرراً غير مسبوق على الساحة السياسية، وظهرت أحزاب سياسية كما ظهرت صحافة سياسية نشطة وحرة نسبياً في كابول، وتزايد استقطاب الهيكل السياسي الأفغاني في ظل عملية التحرُر، فأثر الفكر الاشتراكي على الطلاب مثلما اجتذبت الأصولية الإسلامية عدداً من الشباب من المناطق الريفية وصغار الضباط في الجيش الأفغاني، وكان من بين الأحزاب السياسية الوليدة حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني.
في عام 1973م أطاح محمد داوود الذي خدم كرئيس للوزراء في عهد الملك ظاهر بالملكية الدستورية، وأعلن قيام الجمهورية، وأوقف الرئيس داوود الصحافة الحرة واختفت معظم الأحزاب السياسية باستثناء حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني. وقطعت العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، وأنشئت علاقات مع البلدان العربية والإسلامية. وبدأت حكومته في إجراء مناقشات للتصالح مع باكستان لحل الخلافات التي فرَّقت بين البلدين وأدى ازدياد تباعد نظام حكم داوود عن الاتحاد السوفيتي إلى مواصلة دعم حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني المعارض الأمر الذي مكنَّه من الاستيلاء على الحكم في أبريل عام 1978م في انقلاب عسكري دموي وإنشاء جمهورية أفغانستان الديمقراطية بزعامة اليساريين تحت رئاسة نور محمد تراقي إلا أن الأحزاب الإسلامية عارضت نظام الحكم الديمقراطي وتمردت عليه، وفي الوقت نفسه حدث من داخل حزب الشعب الديمقراطي انقلاب جديد أتى بحفيظ الله أمين( من جناح خلقي) إلى السلطة في العام ذاته 1978م. وبلغ عدم الاستقرار والحرب الأهلية التي تبدت ملامحها الذروة بالغزو السوفيتي في نهاية عام 1979م الذي أدى إلى تفاقم الصراع الأهلي، ونصَّب السوفييت بابراك كارمل في السلطة 1986-1980م .
 في عام 1986م اضطُر السوفييت إلى الانسحاب واكتمل انسحابهم التدريجي في عام 1989م بفعل التكالب الدولي ضد وجود القوات السوفيتية وادخال عناصر القاعدة إلى جانب طالبان والتيارات الإسلامية لقتال القوات السوفيتية، وكان في غضون ذلك قد حلَّ محمد نجيب الله بدلاً من بابراك كارمل رئيساً، وشرع في تنفيذ سياسة تستهدف المصالحة الوطنية لإنهاء الحرب الأهلية، وفشلت هذه المحاولات، وأطاح المجاهدون الأفغان بنظام حكمه في عام 1992م.
 وبالرغم من الجهود التي بُذلت لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الأحزاب الإسلامية الرئيسة التي انتخبت برهان الدين رباني أول رئيس لها سرعان ما دخلت هذه الأحزاب في خلافات كبيرة واستؤنفت على الفور الحرب بين الأجنحة أدت إلى زيادة تدمير البلد.
سلطة طالبان
في عام 1996م استولت طالبان على السلطة التي نشأت بدعم نشط ومؤزر من باكستان وبعض الكيانات الإقليمية والدولية الأخرى، وأنشأت نظاماً صارماً (إمارة أفغانستان الإسلامية) فرضت قيوداً قاسية على حقوق الإنسان الأفغاني، وخاصة حقوق المرأة، وزاد ابتعاد مؤسسات الدولة الأفغانية عن الأضواء، وهي التي سبق أن أضعفتها بشدة الحرب الأهلية الطويلة لأن السلطة الحقيقية لم تكن للوزارات في كابول بل في يد الدائرة المحيطة بالملا عمر زعيم طالبان في قندهار ولم تقهر طالبان كل أفغانستان، بل جعلت الحرب الأهلية الدائرة التي زادتها تعقيداً العزلة الدولية والجفاف الرهيب الذي أوصل الشعب الأفغاني إلى حافة الهلاك جوعاً. وفي الوقت نفسه آوت طالبان التي تمتعت أيضاً بدعم كبير من باكستان أعداداً متزايدة من الإرهابيين الدوليين من بلدان شتى من أنحاء العالم من خلال شبكات القاعدة، ومن بين الجرائم الأخرى المرتكبة ضد الإنسانية والثقافة الأفغانية.
تدخل دولي
بعد الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمية في نيويورك وعلى واشنطن في 11 سبتمبر 2001م من قبل عناصر القاعدة الذين لجأوا إلى أفغانستان التي أبت تسليمهم تدخَّل المجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة لوضع نهاية لنظام حكم طالبان بعد اغتيال القائد أحمد شاه مسعود زعيم الحركة 2001م، وانتخاب حامد كرزاي رئيسا وخلال عقدين من الاحتلال فشلت الولايات المتحدة في ترويض الشعب الأفغاني لمشروعها الاستراتيجي لمد نفوذها للسيطرة على دول وسط وجنوب شرق آسيا، وظل الشعب الأفغاني رافضا للوجود العسكري الأجنبي، ومتمسكا بإرثه التاريخي والديني والوطني وعاداته وتقاليده وتورط الأمريكان وحلف الأطلسي في مستنقع أفغانستان الذي يكلفها تريليونات الدولارات، وأصبح جامدا عن تحريك الصراع في المنطقة رغم حجم الإنفاق الكبير الذي لو سخر - كما تزعم - باتجاهات أخرى يمكن مواجهة خصميها الرئيسين روسيا والصين بعد هزيمتها وفشل خططها في تصدير حروب الإرهاب وتهديد حلفاء روسيا والصين في الجوار الأفغاني وهو ما جعلها تقرر الانسحاب والاتفاق مع طالبان في 29 فبراير 2020م على الانسحاب الكامل في موعد اقصاه نهاية أغسطس 2021م.
بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول استثار ذلك حفيظة المعارضة برموزها وزعاماتها التاريخية والقبلية في المنطقة الشمالية (حلف الشمال) الرافض لحكم طالبان وإعلانه المقاومة، وهو ما دفع حركة طالبان إلى توجيه مسلحيها إلى وادي بانشير للسيطرة ومحاولة إخماد المقاومة لكن هذا التحرك كان قد سبقه تحذير من أحمد مسعود نجل القائد أحمد شاه مسعود من أي محاولة للسيطرة على إقليم  بانشير بالقوة سيتم التصدي لها. وكان أحمد مسعود قد دعا للحوار والمشاركة في السلطة، وتجنب إراقة الدماء، ووجه مسعود تحذيره معتبرا أنه يستند إلى إرث تاريخي لتحالف الشمال الذي كان يقوده والده الراحل أحمد شاه مسعود وإلى معطيات ميدانية تعزز موقفه الرافض لتسليم الإقليم وطلب من دول الغرب دعمه بالسلاح.
مرحلة جديدة
هذا الصراع بين مراكز هذه القوى يتمحور هدفه الرئيس على تقاسم السلطة هذا الخلاف المرتفع سقفه بين تمسك طالبان بفرض شروطها على مناخات الحوار وأطرافه وسيطرتها على كافة الأقاليم، وبين رفض قادة بانشير التسليم تبدو أفغانستان على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع على السلطة لا يزال مفتوحا، بالرغم من المفاوضات الجارية بين أطراف سياسية وطالبان لمنع وقوع أي صدامات مسلحة في ولاية بانشير، فهناك حراك سياسي يجري في كابول بين قادة الحركة بالتوازي مع لقاءات مكثفة ومتواصلة يجريها الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي وعبدالله عبدالله رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، وقلب الدين حكمتيار، وأطراف سياسية وزعماء من إقليم بانشير لتقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف للتوصل إلى تسوية سياسية وتشكيل الحكومة المقبلة. وتشير المصادر أن أحمد مسعود كان قد اجتمع في ولاية بانشير مع وجهاء وزعماء الولاية، وقدم خطة تتضمن شروطه للمصالحة والحوار مع طالبان لتشكيل السلطة، بينما لوح المتحدث باسم الحركة محمد نعيم بالتصعيد في حال فشلت المفاوضات سلميا، وقال :" إنه لا مناص من الكي كحل أخير، وأضاف:"  أن طالبان لن تسمح لأحد بإثارة المشاكل"، وقال
طالبان من جديد
عفت حركة طالبان عن الرئيس أشرف غني قائلا:" إن بإمكانه هو ومسؤوليه في الحكومة السابقة العودة إلى حكومة أفغانستان"وعلى صعيد آخر قال متحدث باسم طالبان إن أي تمديد للقوات الامريكية بعد الحادي والثلاثين من أغسطس هو تمديد للاحتلال هو خط أحمر.
وميدانيا تفيد تقارير بتوجه آلاف من جنود الجيش الافغاني وجماعات مسلحة إلى إقليم  بانشير يقدر عدد هذه القوات بعشرة آلاف شخص وهي مرشحة للزيادة بانضمام المزيد من الرافضين لحكم طالبان، كما لجأ إلى بانشير عدد من مسؤولي النظام السابق في كابول ومنهم أمر الله صالح نائب الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي غادر البلاد مع دخول طالبان إلى العاصمة فيما كانت جبهة المقاومة وبعض القادة أمثال رشيد دستم ومحمد نور تراقي وزعماء قبليين، وقوات من الحكومة الافغانية قد تجمعوا في وادي بانشير وأعلنوا جاهزيتهم لمواجهة حركة طالبان مالم تقبل الحركة بالتفاوض على تشكيل حكومة شاملة لا مركزية.
تنظيم الدولة الإسلامية من جديد
على صعيد آخر عاود تنظيم الدولة الإسلامية في الظهور من جديد في الأيام المتبقية من انسحاب القوات الأجنبية. معلنا عن تواجده بمذبحة بوابة مطار كابول التي أوقعت العشرات من الضحايا المدنيين الأبرياء بين قتلى وجرحى الذين اكتظوا في بوابة المطار الشمالي للمغادرة، وأيضا عدد من القتلى والجرحى من مسلحي حركة طالبان وجنود أمريكيين. هذا العمل الإجرامي بداية تدشين لمرحلة جديدة من الصراع بين تنظيم الدولة الإسلامية وحركة طالبان التي قد تجعل من أفغانستان بؤرة لتهديد السلم المجتمعي وإقلاق دول الجوار وكشف الحادث الإرهابي على مطار كابول:
- أن هناك تنسيقا أمنيا واستخباراتيا وتعاونا مشتركا بين القوات الأمريكية وحركة طالبان وهذا ما اعترف به الأمريكان رسميا في تصريحاتهم لوسائل الإعلام والقنوات الفضائية المختلفة.
-  أن الولايات المتحدة ترغب بإقامة علاقات وطيدة مع طالبان لدعمها على مكافحة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية كما تزعم.
-  وصفت الولايات المتحدة أن تنظيم الدولة الإسلامية ( فرع خرسان) بالجماعات القوية وأن لديه قاعدة وتواجد كبير في ولاية خورسان، وهي بذلك تحاول توصيل رسائلها للمجتمع الدولي وخصوصا الغربي بمكافحة اسطوانة الإرهاب الذي يتطلب من جديد الإجماع الدولي للقضاء عليه وهي محاولة جديدة للتدخل في الشأن الأفغاني .
-  أوجدت الولايات المتحدة ساحة صراع جديدة بين ثلاث قوى متناحرة الأولى: طالبان وخصمهما تحالف الشمال، وتنظيم الدولة الإسلامية والأطراف الثلاثة تحركها الولايات المتحدة.
جغرافية مليئة بالأزمات
وإلى ذلك أبقت الولايات المتحدة أفغانستان جغرافية مليئة بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وساحة مفتوحة للصراع السياسي حول السلطة من جانب وبين أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية وتوجيه أنشطتها الإرهابية إلى الداخل الأفغاني واستثمار ذلك لمبرر بقاء علاقاتها لتواجد الفني واللوجستي والاستخباراتي الأمريكي من جانب وفرض الشروط على حركة طالبان القبول بشركائها في السلطة. وبين هذا وذاك تبدو أفغانستان مفخخة بالصراعات الداخلية التي تثير الكثير من المخاوف وتشكل قلقا مجتمعيا على استقرار الأوضاع وتفاقمها بالصراعات المستدامة وتعميق الأزمة والحروب الداخلية ونزوح السكان مع استمرار العبث والفوضى وعدم الاستقرار، وبهذا تكون الولايات المتحدة قد حدت من فضاءات الطموح الصيني لإنشاء مشاريع اقتصادية استثمارية في أفغانستان، وبين مخاوف روسيا لانتقال الإرهاب إلى دول آسيا الوسطى.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا