أخبار وتقارير

حنيش الكبرى... ما بين الأطماع والتدويل والإحتلال !

حنيش الكبرى... ما بين الأطماع والتدويل والإحتلال !

علي الشراعي /

قبل 28 عاما وتحديدا في 15 ديسمبر 1995م, كان الكيان الصهيوني يتفاخر بأنه استطاع نشر طائرات إسرائيلية شرق تركيا,

وانتزاع جزيرة حنيش الكبرى من القوات اليمنية بواسطة اريتيريا في اطار استراتيجية اقليمية وقائية ينفذها الكيان الصهيوني تحسبا لتهديدات سودانية - يمنية, يمكن أن تعمد في المستقبل إلي التعرض لحركة الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر.

أرخبيل حنيش
إن ممرات البحر الأحمر ومضايقه وجزره هي منظومة متكاملة يكمل بعضها بعضا، فالجزر اليمنية تستمد أهميتها الفريدة من المكانة الاستراتيجية التي يتمتع بها البحر الأحمر كممر رئيسي للملاحة العالمية ونقطة التقاء قارات العالم القديم. كما أن التكوينات الجبلية للجزر اليمنية في البحر الأحمر تضفي عليها أهمية مضاعفة تزيد من سيطرتها على خطوط الملاحة العالمية. ولهذا فإنها تمثل منطقة اطماع وصراعات اقليمية ودولية عبر التاريخ قديمة وحديثه، وما الاحتلال الصهيوني- الاريتيري في 15ديسمبر 1995م إلا استكمالا لأطماع صهيونية- امريكية عبر ادواتهم في المنطقة دولة اريتيريا التي نالت استقلالها في25مايو عام 1993م، فأرخبيل حنيش يعتبر أقرب الجزر اليمنية إلى الممرات البحرية في البحر الأحمر للسفن المتجهة أو القادمة مباشرة من مضيق باب المندب، وهو يشرف ويتحكم بشكل مباشر على تلك الخطوط الملاحية الدولية كما يسيطر على خطوط الاقتراب الملاحية المتجهة إلى الموانئ اليمنية في البحر الأحمر كالمخا والحديدة والصليف وغيرها، وأرخبيل حنيش يضم عشر جزر بركانية وأعلى ارتفاع لجبالها يبلغ (1335قدما)، وتقع تلك الجزر على خط عرض 44 وخط طول 45/42 شرقا، حيث تضم (جزيرة زقر، جزيرة حنيش الكبرى، جزيرة حنيش الصغرى، جزيرة سيول، جزيرة خاوين، جزيرة أبو علي، جزيرة خبا، جزيرة شرق، جزيرة نير، جزيرة تونج)، ومجموعة جزر أرخبيل حنيش تشكل كتلة جغرافية هي في غاية الأهمية الاستراتيجية.
وفيما يخص جزيرة حنيش الكبرى جغرافيا تمتد من الشمال إلى الجنوب الغربي وتبلغ مساحتها حوالى (90كم2)، وهي جزيرة صخرية وتمتد فيها سلسلة جبلية. وحولها كثير من الشعاب المرجانية التي تعيق الملاحة البحرية حولها عدا بعض الثغرات وارتفاع أعلى قمة جبل فيها تبلغ (415 مترا)، وتبعد عن الساحل اليمني 28ميلا بحريا وعن الساحل الأريتيري بحوالي 32 ميلا بحريا، غيما تبعد عن جزيرة ميون بحوالي 72ميلا بحريا وهي موقع استراتيجي هام يمكن منه مراقبة الحركة الملاحية للسفن في البحر الأحمر، ويقال أن تسمية جزيرة حنيش مأخوذة من كلمة (حانيش) أي ثعبان بلهجة أهل الساحل اليمني. وقد بنت المؤسسة العامة للموانئ اليمنية فنارا لإرشاد السفن وذلك في عام 1981م والجزيرة مأهولة بالصيادين اليمنيين

اطماع وتدويل
فاوضت بريطانيا الجبهة القومية على أساس تدويل جزر أرخبيل حنيش مقابل دعم بريطاني للدولة الوليدة في اليمن عام 1967م، لكن الجبهة القومية رفضت ذلك الطلب لأنه يمس السيادة اليمنية وفي الوقت نفسه سمحت للقوات البريطانية بالبقاء في جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى حتى عام 1972م، وقد أثبتت حرب اكتوبر 1973م، أهمية البحر الأحمر للأمن الصهيوني خاصة بعد إغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة البحرية الصهيونية المتجهة إلى ميناء ايلات، الأمر الذي جهل المخططين الصهاينة ينشغلون بمسألة أمن مرورهم في البحر الأحمر، وهم يضعون دلك كمحور هام في استراتيجيتهم التي تتطلع إلى السيطرة على باب المندب وفي سبيل تحقيق ذلك عمل الكيان الصهيوني على تزايد تواجده البحري التجاري في البحر الأحمر حيث بلغ اجمالي طاقة الاسطول التجاري للكيان في الثمانينات من القرن الماضي حوالي (170) قطعة مختلفة بحمولة اجمالية تقدر بأربعة مليون طن. ومحاولة السيطرة على بعض الجزر الاريتيرية التي تقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عن طريق الشراء او الاستئجار كجزر (دهلك وفاطمة ودميرا وسنشيان) التي تبعد الأخيرة عن جزيرة ميون 32كم حيث اقامت عليها قاعدة عسكرية وذلك لوضع نقاط مراقبة على تلك الجزر بغرض الأشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر الممتدة من باب المندب إلى ميناء إيلات الى جانب إنشاء قواعد عسكرية وبحرية على الحزر الاريتيرية بهدف الانطلاق منها لمراقبة مياه وسماء البحر الأحمر لهذا جندت عددا من العسكريين الصهاينة كمراقبين في تلك القواعد العسكرية والبحرية الموجودة في أسمره كما زود الكيان الصهيوني الاريتيريين ببعض السفن الحربية وشبكة من أجهزة رادار الانذار البحري والجوي مع قيام الصهاينة بالإدارة والتشغيل لتلك المعدات العسكرية فإذا كانت تلك أهم الملامح الواضحة للاستراتيجية الصهيونية في البحر الأحمر وهو كيان صغير ومحمية امريكية فأن القوى الكبرى هي الأخرى لها نشاطها في ذلك الاتجاه في البحر الأحمر.حيث كان كل من حلفي وارسو والناتو يحاول كل منهما السيطرة عن قرب في زمن الحرب الباردة على الممرات البحرية الهامة في البحر الأحمر وخليج عدن بغرض تأمين المواصلات البحرية وحرمان الدول المعادية او المطلة عليه من استخدامها اثناء نشوب أية أزمات دولية، ومع انهيار المنظومة الشرقية وانتهاء الحرب الواحدة وظهور القطب الواحد مارست امريكا دور كبير في السيطرة على الممرات البحرية والمضايق ونشر اساطيلها واقامة وخاصة التواجد البحري لقطعها الحربية بالقرب من الممرات الدولية في البحر الأحمر لتأمين استمرار حركة ناقلاتها البحرية وتحسبا لأي تطورات او متغيرات على مسرح الأحداث الدولية.

العدوان
قامت قوات عسكرية اريتيرية باحتلال جزيرة حنيش الكبرى اليمنية وذلك مساء يوم الجمعة 15 ديسمبر 1995م، وقد أسفر العدوان الاريتيري آنف الذكر عن سقوط ثلاثة شهداء من افراد الحامية العسكرية التي كانت مرابطة في الجزيرة، واعربت الجمهورية اليمنية عن أسفها واستنكارها الشديد لتوريط اريتيريا الدولة الجارة بذلك العمل العدواني، ويؤكد تمسكها لحقها المشروع في الدفاع عن سيادتها على اراضيها ومياهها الاقليمية وتحمل الحكومة الاريتيرية مسؤولية كافة النتائج المترتبة على ذلك العدوان لم يحمل فالموقف الرسمي لليمن لم يحمل أي دولة اخرى تورطت بل حمل نظام افورقي مسؤولية الاعتداء وما يترتب عليها من آثار، وقد صدر تصريح لمصدر يمني مسؤول يستنكر العدوان الاريتيري على جزيرة حنيش ويصفه، بأنه انتهاك لسيادة الجمهورية اليمنية على أراضيها ومياهها الإقليمية وهو يهدد في الوقت نفسه الملاحة الدولية في منطقة البحر الأحمر، ويشير بأنه قد سبق للسلطات الاريتيرية الكشف عن نواياها العدوانية بتوجيه انذار في يوم السبت 11 نوفمبر 1995م، إلى الصيادين والمواطنين اليمنيين والحامية العسكرية المرابطة في جزيرة حنيش بمغادرة الجزيرة وايقاف العمل لأحدى الشركات، ويؤكد التصريح أن الجمهورية اليمنية تملك حق الدفاع الشرعي عن سيادتها ومياهها وجزرها ورد ما يعتبر عدوانا على تلك السيادة، وهو أمر مشروع في القانون الدولي وتنص عليه المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.غير أن الدولة اليمنية جعلت الأولوية في خياراتها للحل السلمي طالما وأنها تمتلك من الأدلة والوثائق ما يرجح حكم لجنة التحكيم لصالح اليمن، وهي في الوقت نفسه تحتفظ بكامل الحق لاستخدام كافة الوسائل الممكنة لاستعادة جزيرة حنيش في حالة أن الدولة الأريتيرية لم تمتثل لحكم لجنة التحكيم أو حاولت عرقلة سير أعمالها إذا ما شعرت أن الحكم النهائي يسير لصالح اليمن.

التورط الصهيوني
شنت القوات الاريتيرية- الاسرائيلية هجوما على جزيرة حنيش الكبرى, واحتلتها وأسرت الحامية اليمنية العسكرية فيها، وكان هذا الهجوم بقيادة مقدم طيار اسرائيلي (مايكل دوما) وباستخدام أسلحة صهيونية الصنع، وقد أعلنت اليمن رفضها التصريح على الصعيد الرسمي بالوجود العسكري الإسرائيلي في اريتيريا، وقد ثبت أن الاتصالات التي جرت بين القوات التي احتلت جزيرة حنيش الكبرى كانت باللغة العبرية، وهذا ما أكده (مايكل كداير) مدير معهد موشيه ديان في تل أبيب، في حديثه عن نشر طائرات إسرائيلية شرق تركيا, وانتزاع جزيرة حنيش الكبرى من القوات اليمنية بواسطة اريتيريا في اطار استراتيجية اقليمية وقائية تنفذها إسرائيل تحسبا لتهديدات سودانية- يمنية، يمكن أن تعمد في المستقبل إلي التعرض لحركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وقد زار الرئيس الاريتيري أسياسي افوريقي في فبراير 1996م إسرائيل زيارة معلنة أسفرت عن توقيع اتفاقية أمنية مع الإسرائيليين لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين, ووضع استراتيجية موحدة في البحر الأحمر، (الصراع الدولي في البحر الأحمر بين الماضي والحاضر- أ. د كريم الزبيدي).
كما استنكرت حركة الجهاد الإسلامي الأريتيرية المعارضة للنظام في اسمرة الخطوة التي اقدم عليها النظام الأريتيري باحتلال جزيرة حنيش الكبرى بتشجيع ودعم مباشر من الكيان الصهيوني، وجاء في بيان الحركة (أن نظام أفورقي منذ توليه حكم اريتيريا أصبح رأس حربة في زعزعة النظام والاستقرار في المنطقة وإعاقة تقدم شعوبها بهدف جر قوى دولية طامحة في تكريس نفوذها في حوض البحر الأحمر بكل أبعاده الاستراتيجية) (احتلال جزيرة حنيش وأبعاد العدوان الاريتيري- دكتور صالح ابو نهار).

الموقف الأمريكي
رفض مساعد وزير الخارجية الامريكي لشؤون الشرق الأوسط (روبرت بلليترو) ادانة الهجوم الاريتيري على جزيرة حنيش، الكبرى أو وصف اريتيريا، بالدولة المعتدية في الخلاف بينها واليمن، وقد ركز بالمقابل على ضرورة إجراء محادثات مباشرة بين الطرفين وصولا إلى حل سلمي للنزاع، حيث قال في مؤتمر صحفي في واشنطن في 4 يناير 1996م ان أي، حل للخلاف بين اريتيريا واليمن يجب أن يأخذ غي الاعتبار جزيرة جبل زقر القريبة التي تسيطر عليها اليمن حاليا، وهكذا يتضمن هذا الموقف الأمريكي اعترافا بالمنظور الاريتيري للخلاف والذي يرى أن ارخبيل حنيش بأكمله هو موضع نزاع مع اليمن بينما صنعاء ترفض ذلك الموقف وتتمسك بكامل السيادة وعلى كل الأرخبيل، وذكرت جريدة الحياة ان يختا امريكيا تعرض لإطلاق نار قرب منطقة النزاع خلال الاسبوع الأول من ديسمبر 1995م، واقرت وزارة الخارجية الامريكية في السابع من الشهر نفسه بناءا على الحادث تحذيرا خاصا إلى السفن في المنطقة، وقال مسؤول في الوزارة إن التحدير لازال ساريا خصوصا أن سفنا أخرى تعرضت لهجمات مشابهة بالأسلحة الخفيفة منذ ذلك التاريخ إلا أن المسؤول قلل من أهمية تلك الهجمات وقال انها لم تتسبب خسائر بشرية او مادية، واضاف انه من الصعب تحديد مصدر النار بسبب تقارب الجزر الثلاث واحتمال وجود عناصر يمنية أو اريتيرية غير منضبطة في الأرخبيل- رغم انه يوجد حامية عسكرية يمنية وهدا يؤكد التورط الامريكي- الصهيوني- وأكد أن خطوط الملاحة تعمل في شكل عادي في جنوب البحر الأحمر.

الاستثمار النفطي
فيما اعتبر الجانب اليمني ان التصريح الأمريكي فيه من الغموض والضبابية معبرا عن الشكوك حول خلفيات هذا التصريح وقال: نحن نعرف أن هناك مصلحة حيوية أمنية للأمريكان تساند أي توجه نحو تجرير منطقة باب المندب من أي سيطرة عربية, ولها ايضا مصلحة اقتصادية اتضحت من خلال توقيع اتفاق اريتيري- أمريكي على الاستثمار النفطي في جزيرة حنيش قبل احتلالها، ومن الجدير ذكره أن بعض المراقبين يذهبون بأن عملية الاحتلال الاريتيري لجزيرة حنيش الكبرى مرتبه ومتفق عليها مسبقا مع واشنطن وتل أبيب مستندين إلى التصريحات الأخيرة لـ"سياسي افورقي" التي أكد فيها بأن حكومته سبق لها أن اتفقت في سبتمبر 1995م, مع شركة تنقيب نفطية أمريكية للعمل في جزيرة حنيش الكبرى قبل احتلالها.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا