أخبار وتقارير

العولمة العسكرية.. إستراتيجية المطامع والمصالح الأمريكية !

العولمة العسكرية.. إستراتيجية المطامع والمصالح الأمريكية !

 علي الشراعي  /

ظل البحر الأحمر موضع اهتمام الإدارة الأمريكية على اختلاف عهودها والمبادئ التي تحكمها من مبدأ نيكسون (1969م) مرورا بمبدأ كارتر (1976م) ومبدأ ريغان ( 1982م) .

وحتى مبدأ بوش (1990م) وإلى اليوم . وجميعها كانت ترى في البحر الأحمر موقعا ذا أهمية استراتيجية  وممرا دوليا للملاحة ومنطقة يجب أن تسيطر عليها الاستراتيجية الامريكية وتضمن للكيان الصهيوني المرور البحري الحر والوجود العسكري في بعض جزر البحر الأحمر وموانئه .

قوات الانتشار السريع
يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي في سبعينيات القرن الماضي ( نحن الامريكيين يجب أن نكون قد تعلمنا درسا من فيتنام , يتمثل في أنه من السهل الدخول في حرب , ولكن من الصعب الخروج منها  ) . لقد برزت أهمية منطقة البحر الأحمر من منظور الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط  في أعقاب حرب 1973م , حين اغلق مضيق باب المندب في وجه الملاحة الصهيونية واستخدم النفط العربي كسلاح سياسي , وهو ما أكد للولايات المتحدة الامريكية وأوروبا واليابان أهمية منطقة النفط في الشرق الأوسط , وخطر الطرق والممرات البحرية في البحر الأحمر , الأمر الذي وضع المنطقة في دائرة التنافس بين القوى الدولية . استهدفت الاستراتيجية الأمريكية يومذاك الحد من النفوذ السوفيتي في المنطقة .إذ وضع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر أول مرة استراتيجية التدخل الأمريكي في المنطقة بالقوة المسلحة , في حالة تهديد المصالح الأمريكية . وعلى هذا ظهر في الفكر العسكري الأمريكي ما يعرف بإنشاء قوات الانتشار السريع التي خصصت للعمل في الخليج العربي والبحر الأحمر والتي وضعت بإمره القيادة المركزية الأمريكية . وأن العنصر الاستراتيجي الذي يقر بأن المستقبل سيشهد على الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها الولايات المتحدة قوة محورية عدوانية وضمان مصالحها وهذا ما أدخلته الاستراتيجية في حسبانها باعتبارها القوة المسيطرة في الوقت الراهن على النظام العالمي . وان ما تبديه الادارة الأمريكية  من رغبه في التعاون مع الآخرين كتحالفات انما هو  تكتيك وليس استراتيجية  إلا بما يحقق مطامعها ومصالحها .
ومع ظهور الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة في العالم بدأ بالعمل على اضعاف أي منافس لها يحاول أن يضاهيها ومازالت المشكلة الرئيسية للتطلع هي الوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر والبحار المتصلة به ( البحر الابيض المتوسط ، الخليج العربي ، المحيط الهندي ) وهو الوجود الذي يخص بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والصين اليابان والهند لاحقا والقواعد والتسهيلات العسكرية التي حصلت عليها هذه الدول من بعض الدول المطلة على البحر الأحمر خاصه جيبوتي . وإن تأمين موارد الغرب من نفط الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي كان ولايزال الهدف الاستراتيجي الأول في كل اشكال التخطيط السياسي الغربي للمنطقة في مواجهه. تحديات التنافس الدولي ، وقد ركزت الاستراتيجية الغربية وخاصة الأمريكية في وصولها الى هذا الهدف على عدد من الادوات والوسائل ومنها  إقامة مناطق وقواعد عسكرية وانشاء التحالفات الدولية  واستخدام حلف الناتو والذي اصبح يعمل خارج اهدافه المرسومة بل اصبحت الامم المتحدة تشرعن له ذلك .

العولمة العسكرية
في مطلع التسعينيات ومع تفكك الكتلة الشرقية وانهيار الاتحاد السوفيتي ظهرت الولايات المتحدة الامريكية كقوة قطبية عظمى فرضت نظامها الجديد ضمن مظلة الأمم المتحدة وكان التوجه الأمريكي والذي كانت من نتائجه ( العولمة العسكرية ) يتبنى تقسيم العالم إلى مناطق ونفوذ للمصالح الأمريكية حسب أهميتها . فكانت منطقة البحر الأحمر إحدى المناطق المهمة التي حدد النظام العالمي الجديد أهداف الولايات المتحدة بها . أدت القيادة العسكرية الوسطى للقوات الأمريكية دورا أساسيا في إنشاء قوة خاصة لها من أجل تنفيذ مهام  المراقبة الجوية والبحرية في البحر الأحمر وخليج عدن في نوفمبر 2002م , إضافة إلى السواحل الشمالية للمحيط الهندي . وتركزت القوات التي تألفت من نحو 700 جندي أمريكي في معسكر ( لامونيه بجيبوتي) ويعمل هؤلاء الجنود وأغلبهم من البحارة والمارينز والقوات الخاصة بالتعاون مع قوات بحرية أخرى من دول حلف شمال الأطلسي مثل ألمانيا وايطاليا وفرنسا . وفرت هذه القوات في يناير 2007م , المساعدات الاستخباراتية واللوجستية لإثيوبيا في أثناء غزوها للصومال . كما أنها استخدمت التسهيلات العسكرية الموجودة في كل من جيبوتي وإثيوبيا وكينيا لشن ضربات ضد أفراد تنظيم القاعدة .
واثناء زيارة كولين باول إلى افريقيا أثناء توليه  وزارة الخارجية الامريكية دعمه لأفريقيا , كلف بوش الأبن وزير دفاعه ( روبرت ميتشجر) إنشاء مقر قيادة عسكرية لإفريقيا ( إفريكوم ) بحجة حرمان تنظيم القاعدة من استخدام دول افريقيا لتوسيع نشاطاتها مع سعي امريكا لتوسيع النفوذ العسكري الامريكي في قارة افريقيا وجنوب البحر الأحمر خاصة بعد عرض جيبوتي استعدادها لاستضافة مركز القيادة الامريكية لإفريقيا على أراضيها .

حلف الناتو
لقد ساهمت الدول البحرية الكبرى وعلى راسها امريكا وبريطانيا منذ الثمانينات من القرن الماضي حتى وقتنا الحاضر في إذكاء النزاعات الخامدة والصراعات المتعددة أو تكييفها وقولبتها في أطر تخدم أهدافها الاستراتيجية  في البحر الأحمر والقرن الأفريقي  والخليج العربي . ومن تلك الاساليب استغلال لأعمال القرصنة في المياه الإقليمية لصومال و ارسال العديد من الدول الكبرى كأمريكا  والاتحاد الأوروبي وحدات من قواتها البحرية لحماية سفنها من هجمات القراصنة بشكل قد يؤدي إلى تهديد دول المنطقة واستندت هذه الدول إلى القرارات الصادرة من مجلس الأمن والتي سمحت بموجبها دخول السفن الحربية للدول الكبرى للمياه الإقليمية الصومالية .  فقد بادرت الأمم المتحدة عام 2008م ومن خلال جهازها مجلس الأمن بإصدار العديد من القرارات  ومن بين هذه القرارات ( 1814 , 1816, 1846, 1851) وتشير تلك القرارات بضرورة تدخل الدول والمنظمات الدولية لمكافحة القرصنة البحرية في الصومال وقد كان للدور الأمريكي والفرنسي ظاهرا داخل مجلس الأمن في إصدار تلك القرارات بهدف إرسال القوات العسكرية إلى البحر الأحمر سعيا منها لحماية أساطيلها البحرية إضافة إلى تأمين نقل النفط والسيطرة على مضيق باب المندب تحت ستار الأمم المتحدة وشرعنه للكيان الصهيوني من التواجد في جنوب البحر الأحمر . بالإضافة إلى مساهمة عشر دول من الاتحاد الأوروبي تحت قيادة بريطانيا للمساهمة في عملية مكافحة القرصنة .اما التطور الخطير فتمثل بقيام حلف الناتو في منتصف اكتوبر 2008م بنشر سبع سفن تابعة لدول أعضاء الحلف مما أعتبر استكمالا لسعي قوات الحلف وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية لتأمين تواجدها العسكري في افريقيا والبحر الاحمر خاصة بعد تأسيس القيادة المركزية للجيش الأمريكي في افريقيا( أفريكوم ) في جيبوتي تضم 1800 جندي أمريكي ولعل هذا ما سعت إليه امريكا بعد احتلال افغانستان والعراق والتواجد العسكري الكثيف قبالة السواحل الصومالية وفي مياه خليج عدن .

حماية الكيان الصهيوني
قدمت الولايات المتحدة الامريكية ولا تزال تقدم جميع الضمانات والإمكانات والمساعدات الى الكيان الصهيوني وملتزمة بتوفير الأمن والأمان له معتبره انه حليفها الأول  . وعلى هذا فقد واصلت السياسة الامريكية تأييد مطامع الكيان التوسعية ومنها مطامعه في البحر الاحمر . وفيما يخص ضمان تدفق النفط إليها وإلى حلفائها في اليابان واوروبا  فقد ركزت الاستراتيجية الغربية وخاصة الامريكية في وصولها إلى هذا الهدف على عدد من الادوات والوسائل التي اهتمت فيها كان في مقدمتها التأكيد على اهمية الاحلاف والقواعد العسكرية كأداة لعلاقة اية قوة اقليمية أو دولية والحد من دخولها إلى منطقة الشرق الاوسط والاعتماد على بعض الانظمة المحلية الموالية للغرب في حماية هذه المصالح المشتركة بين الطرفين وتدعيم الوجود الصهيوني في المنطقة وتكثيف طاقاته العسكرية باعتباره خط ارتكاز رئيسي متقدم في حماية وتأمين هذه المصالح الاقتصادية الغربية وعلى رأسها النفط وتشجيع الصراعات الاقليمية العربية بهدف امدادها بالطاقات الاقتصادية والسياسية المتزايدة لهذه الدول من جانب , وشغلها عن صراعها الأهم ضد تحكم المصالح والاحتكارات الاقتصادية الغربية من جانب آخر والتهديد باستخدام القوة المسلحة عندما تعرض المصالح الامريكية للخطر من قبل قوى أخرى محلية او دولية تظهر  تحاول ان تتقاطع مع الاهداف والمصالح الحيوية الامريكية في الوصول إلى مقتربات منطقتي البحر الاحمر والخليج العربي وهذا ما ذهب إليه مذهب (كارتير) الذي انشأت بموجبه قوات الانتشار السريع والتواجد العسكري الامريكي المباشر في المناطق الحيوية لاسيما بعد حرب الخليج الثانية 1991م واحتلال العراق 2003م .

القاعدة التاريخية
أن خبرات الامبراطوريات والقوى منذ فجر التاريخ تراجعت قوتها بعد أن استفزت قوى عارضت هيمنتها , فقد ظلت الامبراطوريات الرومانية تسترشد بقول شيشرون : ( دعهم يكرهونك ما دموا يخشونك ) , واستخدمت روما قوتها المتفوقة في البطش بل وإبادة شعوب مثل القرطاجين , وهو الأسلوب الذى حرك الثورات ضد روما وانتهت بتفككها وسقوطها . وفي التاريخ الحديث ظهرت قوتان انفردت بالقطبية الأحادية , ففي القرن السابع عشر الميلادي اعتبرت فرنسا كقوة أوروبا العظمى ولكن مع بدايات القرن الثامن عشر الميلادي وفي مواجهة لقوة فرنسا , برزت إنجلترا والنمسا كقوة عظمى منافسة لتنفرد بالقطبية الواحدة انجلترا لكنها انتهت لحظة القطبية الأحادية بالنسبة لبريطانيا الفكتورية بصعود قوى جديدة ممثلة في المانيا وامريكا واليابان والاتحاد السوفيتي لتنهار بريطانيا والمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية ويصعد الاتحاد السوفيتي وامريكا ومع نهاية القرن العشرين تنفرد امريكا بالقطبية الاحادية .وفي كل هذه التجارب كان تفرد وهيمنة قوة ما هو الذي يحرك قوة أخرى إلى مقاومة هذه الهيمنة بفعل أن الدول دائما في حالة يقظة تجاه الحفاظ على أمنها , وعلى هذا فإنها تتجه إلى بناء قوتها العسكرية الخاصة وبناء تحالف يهدف إلى خلق توازن أمام القوة المهيمنة .والدرس التاريخي في هذا هو أن من الأمور الايجابية بالنسبة لقوة ما هو أن تكون قوية , ولكن ليس من صالحها أن تكون قوية جدا ذلك أنها عندئذ تخيف الآخرين , ويبدأ العد التنازلي بالنسبة لقوتها المتفوقة .
وفي تطبيق هذه الخبرات والدروس التاريخية على الوضع الراهن للولايات المتحدة الأمريكية فإن مصير الهيمنة الأمريكية يتجه إلى أنه ليس هناك ما يجعل الولايات المتحدة استثناء من هذه القاعدة التاريخية ,انه في الحقب القادمة ستودى الهيمنة الأمريكية لبروز قوى بدأت تظهر كالصين وروسيا كقوى عظمى قادرة على التصرف كقوى معادلة للولايات المتحدة الامريكية .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا