أخبار وتقارير

3 وثائق بريطانية تحث على احتلال تعز والحديدة (1)

3 وثائق بريطانية تحث على احتلال تعز والحديدة (1)

علي الشراعي / 

مع بداية اشتعال الحرب العالمية الاولى (1914- 1918م) تجلت اهمية اليمن استراتيجيا للأطراف التي تخوض تلك الحرب وبدأ المحتل البريطاني لجنوب اليمن عبر عناصر مخابراته وضباطه في عدن بإرسال تقاريرهم لحكومتهم عن اهمية توسيع النفوذ البريطاني خارج عدن

واحتلال مناطق ذات أهمية استراتيجية لتأمين التواجد البريطاني في عدن من جهة وإنشاء كيانات أخرى ساحلية مستقلة عن صنعاء من جهة أخرى تعزل المناطق اليمنية الداخلية عن الوصول للسواحل فإحدى تلك الوثائق الخطاب السري المرسل من (البريجادير جنرال والتون) القائد العام للقوات البريطانية في عدن إلى سكرتير حكومة الهند البريطانية في 13 مايو 1916م . وقد أرفق والتون بخطابه هذا مع مذكرتين (أولاهما أعدها) الكولونيل ووهوب) ضابط المخابرات السياسي والعسكري في عدن وتدور حول تحديد حدود محمية عدن البريطانية , بينما أعد المذكرة الثانية (الكولونيل جاكوب) المساعد الأول للمقيم السياسي البريطاني في عدن وتدور حول الأوضاع السياسية القائمة في اليمن بوجه عام وفي عدن بوجه خاص في مطلع الحرب العالمية الأولى .

تأمين عدن
قدم (والتون) في خطابه عدة اقتراحات لتدعيم مركز البريطانيين في عدن والمنطقة المحيطة بها منها تدعيم حامية عدن والاحتفاظ بقوة كافية في قرية (الشيخ عثمان) الواقعة شمالي عدن , والزحف على لحج والسيطرة على المراكز المتحكمة لتأمين الطريق الحربى المتجه شمالا من عدن . واحتلال مدينة الضالع واستعادة خط الحدود القديمة لمحمية عدن البريطانية . واهم ما جاء بمقترحات وتوصيات والتون هو احتلال مدينة تعز وفرض الحماية البريطانية على كل الركن الجنوبي الغربي لليمن, مع وضع خط جديد للحدود التي يمكن الدفاع عنها استراتيجيا وسياسيا كما أشار والتون إلى أنه من المستحيل عمليا النظر إلى عدن على أنها مركزا منفصلا عن الداخل, وإن كان ذلك من شأنه أن يوقع البريطانيين في تعقيدات خطيرة مع القوى المنافسة لهم حينذاك وفي نفس الوقت أكد والتون أن قرية الشيخ عثمان لا تشكل موقعا دفاعيا طبيعيا , ولا تعطي مجالا فسيحا لإجراء أية عمليات عسكرية ذات أهمية بينما تتيح لحج لأية قوات متمركزة فيها فرصة أفضل ومدى أبعد للعمليات الدفاعية عن عدن من ناحية الشمال, هذا في الوقت الذي تشكل فيه لحج مصدر خطورة كبيرة إذا تجمعت فيها قوى معادية تجهز نفسها للانقضاض على عدن ويزداد الأمر خطورة إذا تحالف إمام صنعاء مع الأتراك بهدف مهاجمة البريطانيين في عدن وانتزاعها من أيديهم

معسكر العند
ذكر والتون أن الأتراك يعتمدون في حياتهم في اليمن على الأراضي اليمنية وإنتاجها الزراعي مما يفرض عليهم ضرورة المحافظة على سيطرتهم على لحج وماوية وتعز والضالع وكلها تعتبر في نفس الوقت مراكز تجارية هامة إلى جانب كونها مراكز زراعية وأن (نوبة دكيم) التي تبعد ميلين ونصف الميل جنوبي (طنان) تعتبر منطقة غير صحية للغاية في لحج كما تنتشر فيها الملاريا بينما تعتبر قرية (العند) أفضل من نوبة دكيم من الناحية الصحية, كما تتوفر فيها المياه العذبة, مما جعل الترك يقيمون مستشفى عثمانياً فيها كما توجد بها أرض مكشوفة تصلح لإقامة معسكر مناسب, ولمنطقة العند مزايا عديدة فهي تمثل الجزء الخصيب من لحج حيث يمكن الحصول منها على الخضروات المختلفة , كما يمكن لمن يسيطر عليها أن يمنع أية قوات تهدف إلى احتلال عدن ومن تحقيق أغراضها واعتبر والتون أن السيطرة على العند هو أقل ما ينبغي على البريطانيين القيام به في المنطقة كما أنه يمثل بداية تحقيق مرحلة تقدم يمكن تدعيمها والاستفادة منها بمد خط للسكة الحديد من عدن نحو الداخل وتدريب القوات البريطانية في المناطق المرتفعة نسبيا .
احتلال الشيخ سعيد
وقد أكد والتون أهمية احتلال البريطانيين لمنطقة ( الشيخ سعيد) الواقعة عند الطرف الجنوبي الغربي لليمن المواجه لجزيرة ميون المتحكمة في مضيق باب المندب حيث المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وأكد والتون في خطابه لسكرتير حكومة الهند البريطانية بالقول : " إذا كان علينا أن نذهب إلى أبعد من لحج فأنه يصبح من الضروري علينا النظر في احتلال منطقة الشيخ سعيد الواقعة غربي عدن والتي تطل على مضيق باب المندب " وأبرز والتون خطورة منطقة الشيخ سعيد الناتجة عن تحكمها في مضيق باب المندب , وهي بذلك إذا تعرضت لسيطرة أية قوى منافسة وحصنتها تحصينا قويا فلن يستطيع البريطانيون أن يحتفظوا بجزيرة بريم التي تعتبر الشيخ سعيد منطقة دفاع طبيعي عنها وسيكون من الصعب القيام بهجوم على الشيخ سعيد وعندما تصل سكة حديد الحجاز إلى ينبع على الساحل الشرقي للبحر الأحمر, ومن هنا ستزيد أهمية الشيخ سعيد مما يحتم على البريطانيين إلا يسمحوا لأية قوة أجنبية باحتلالها .ويقول والتون " إن الحكمة تقتضى أن نتأكد من ذلك قبل خروج الترك من هذه الحرب العالمية الأولى وإلا دخلنا في جدل ومتاعب لا مبرر لها ."

السيطرة على تعز
ويؤكد والتون في خطابه السري ان البريطانيين إذا سيطروا على تعز فأنه لن تكون هناك حاجة لديهم لوضع حامية بريطانية في الشيخ سعيد ولكن إذ لم يستول البريطانيون على تعز فانه سيكون من الضروري عليهم أن يحتلوا الشيخ سعيد ويضعوا حامية بريطانية فيها أما بالنسبة لفكرة تقدم البريطانيين للسيطرة على الضالع فان ذلك يرجع لرغبتهم في اقامة مصحة لهم هناك , كما أنها تمكنهم من أن يكونوا على اتصال وثيق بالقبائل اليمنية المحيطة بعدن على أن والتون اعتبر أن اقتراح السيطرة على تعز هو أكثر الاقتراحات جاذبية وأن ذلك يستلزم قوة بريطانية قوامها فرقتان لتنفيذه, بالإضافة إلى قوة دائمة فرقة واحدة تستقر بعد استتباب الأمور ورأى والتون أنه سيكون من الضروري مد خط للسكك الحديدية فيما بين عدن وتعز, وأنه يكون من الأفضل استمرار الخط الحديدي ليصل إلى ( رأس الكثيب ) الواقعة شمال الحديدة تماما . وستتم حراسة هذا الخط من التعرض لأي هجوم معاد من جهة الشمال عن طريق اقامة قلعة جبلية يتم بواسطتها السيطرة على المرور غير أن والتون أشار إلى أن مثل هذا المشروع قد يثير بعض المتاعب مع حكومة صنعاء – واليوم العدوان تم استبدال خط السكة الحديدية بمطار المخا - وأن كان سيلقى كل الرضا من قبل الإدريسي صديق البريطانيين في عسير .
واكد والتون أن الطقس البديع في تعز سيوفر كل المزايا الصحية الذي يحتاج إليها البريطانيون المقيمون في عدن وأن أية قوة يحتفظ بها هناك ستكون في مركز استراتيجي لاستخدامها في ايران والهند وشرق افريقيا ومنطقة البحر الأحمرثم تحدث عن فكرة انشاء كلية لأبناء السلاطين ورؤساء القبائل واوضح أن عدن لا تصلح أن تكون مقرا لمثل هذه الكلية, إذ لا بد من توفر بيئة صحية وجو أكثر اعتدالا غير أن أحدا لن يقترح أن تكون هذه الكلية خارج حدود المنطقة التي تحتلها بريطانيا في جنوب اليمن .

احتلال الحديدة
وتكهن والتون باحتمال قيام الحكومة البريطانية بتقديم منطقة الساحل اليمني الشمالي الممتد من اللحية شمالا وحتي رأس الكثيب جنوبا إلى الإدريسي في عسير - وهذا ما حدث فعلا فقد احتلت بريطانيا الحديدة مع نهاية الحرب العالمية الأولى وفي سنة 1921م سلمت بريطانيا الحديدة مع الشريط الساحلي ميدى للإدريسي - واكد والتون أنه يمكن بهذه الطريقة وبالإضافة إلى تدعيم قوة سلطان المكلا أن يتمكن البريطانيون من اقامة حاجز قوي أمام القوى المنافسة - اهمها قوة صنعاء - يحول دون سيطرة أي منها على شواطئ جنوب شبه الجزيرة العربية - اليمن بشطريها آنذاك وبهذا المقترح كأنه يرسم تقسيم اليمن لدويلات ويسبق اتفاقية سايكس- بيكو بين بريطانيا وفرنسا في تقسيم العراق وبلاد الشام وفلسطين - ليدفع بصنعاء ان تكون دولة حبيسة بلا شواطئ وسواحل - كما نوه والتون في تقريره أن تجارة اليمن ستروج وتزدهر في ظل حكومة مستقرة وستجد منفذين لها أولهما في رأس الكثيب من ناحية الشمال والثاني في عدن من الجنوب , كما أن الدفاع عن الحدود الجديدة لتلك المنطقة سيكون سهلا إلى حد كبير .

قوات بريطانية
وفيما يتعلق بالإدارة المدنية لذلك المثلث الواقع بين هذه الحدود في جنوب غرب اليمن ( تعز) فقد اعتقد والتون بأنه سيدار بنفس الطريقة التي كان يحكم بها السودان حينذاك . وأبدى والتون موافقته على رأي ( الكولونيل ووهوب ) في أن القوات الهندية غير صالحة للعمل في شبه الجزيرة العربية وعلى الأخص الهنود المسلمين الذين يقعون تحت التأثير المغناطيسي نتيجة لوجودهم في الأرض التي تضم مكة ولهذا فضل والتون استخدام الجنود السودانيين بل انه فضل كثيرا تشكيل قوة مسلحة عربية محلية - يمنيين - تحت قيادة ضباط بريطانيين . وتوقع والتون أن هؤلاء العرب – اليمنيين – لن يقبلوا بصدر رحب في بداية الأمر على الأخذ بالنظام الصارم , ولكنه يؤكد توافر مقاتلين أكفاء من العرب المحليين - اليمنيين - سيقبلون على الانخراط في سلك الجندية البريطانية . ولهذا فقد رأي والتون أنه إذا قرر البريطانيون التقدم من عدن لتحقيق تلك الغاية في المنطقة المحيطة بها في جنوب اليمن , فأن الأمر يستلزم وجود قوة بريطانية مناسبة لضمان الوفاء بكل الالتزامات ولحراسة المصالح البريطانية هناك بالإضافة إلى تحديد مكان مناسب لإقامة تلك القوة التي لن تلائمها عدن بالمرة , وتعتبر هذه الأمور عناصر جوهرية في أي اقتراح عملي .

استراتيجية التوسع
وقد أشار والتون أيضا إلى أن (الكولونيل جاكوب) المساعد الأول للمقيم السياسي البريطاني في عدن انه توافق برأيه مع (الكولونيل والتون) على ضرورة توسيع مجال النفوذ البريطاني حتى يصل إلى تعز . على أن والتون توقع أن الاقتراح الذي عرضه لتحقيق تلك الغاية سيكون عرضة لاعتراضات كثيرة من قبل السلطات البريطانية العليا, ذلك لأن الوسائل التي اقترحها لتحقيق تلك الغاية ثبت إخفاقها في الماضي, كما أن الالتزامات السياسية ازاء القبائل اليمنية لم يتم الوفاء بها,هذا فضلا عن صعوبة مد خط للسكك الحديدية في مناطق غير خاضعة للنفوذ البريطاني وفي ختام خطابه لسكرتير حكومة الهند البريطانية في 13 مايو 1916م أوضح أنه على الرغم من أنه كان يبدو لليمنيين ان أي تقدم للبريطانيين من عدن إلى تعز يرجع إلى الرغبة في التوسع, فإن ذلك الأمر في حقيقته كان مفروضا على البريطانيين لحفظ كيانهم ووجودهم في عدن , مما جعل والتون يرى أن أعظم الخطر في القيام بتلك المحاولة بدون توافر القوة الكافية لضمان نجاحها كما اشار والتون أيضا إلى أنه كان يدرك تماما أن دور البريطانيين في عدن اثناء الحرب العالمية الأولى كان يتوقف نجاحه أو فشله على ميادين الحرب الأخرى, غير أن ذلك الدور كان يستلزم التخلص من الجمود والركود في النطاق المحلى, لذلك رأى والتون أهمية عرض مقترحاته السابقة على حكومة الهند البريطانية آنذاك

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا