الصفحة الأولى

الثبات في مواجهة التحديات

الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
الله "سبحانه وتعالى" يقدم هذه الحالة من الثبات في مواجهة التحديات، والتي هي من أهم تجليات الإيمان الصادق، فيقول "سبحانه وتعالى": 

الثبات في مواجهة التحديات

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}[آل عمران: الآية173]، هذه حالة الإرجاف والتهويل، وقد تتزامن أحياناً حالة الإرجاف والتهويل مع بعضٍ من المتغيرات والظروف: معارك على الأرض، أحداث، تراجعات، إشكالات، فتترك أثرها في البعض من الناس، عندما تتزامن مع أحداث صعبة، مع تحديات كبيرة، يأتي معها دعايات الإرجاف والتهويل، التي تخيف الناس من الأعداء، ترجف عليهم أمام قوة الأعداء، إمكانات الأعداء، تحركات الأعداء.
{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، بهذه العبارة التي تعني وكأن الناس كل الناس قد احتشدوا لمواجهتكم والهجوم عليكم، {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، حالة الترهيب التي تستخدم لها في هذا العصر الكثير من الوسائل، وسائل الإعلام بكل أنواعها: قنوات فضائية، مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر من ذلك النشاط المباشر: الدعاية في المجالس، في المقايل، في التجمعات، في القرى، في المدن، حتى في الشوارع، أحياناً حتى في الباصات، يطلع مرجف ليخيف الناس، ليهول عليهم، ليخيفهم من الأعداء، ليهز ثقتهم بالله وبنصره، ليضعضع ثباتهم، ليعمل على هز قناعتهم وإيمانهم بموقفهم...إلخ.
{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}، لاحظوا في تجليات الإيمان الصادق، أمام حالة الإرجاف والتهويل، وقد تتزامن مع أحداث مؤلمة، مؤسفة على الأرض تحصل، لكنهم لا يرتابون، المؤمنون الحقيقيون، المؤمنون الواعون، المستبصرون، المتيقنون، الواثقون بالله "سبحانه وتعالى"، المتوكلون على الله "سبحانه وتعالى"، لديهم وعي حتى عن أسباب الأحداث ونتائجها، ولذلك لا يرتابون أبداً مهما كان، مهما كان حجم الدعاية، ولو كانت رائجة؛ لأن عبارة: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} ليست كما يقول بعض المفسرين: [قال لهم شخصٌ واحد]، هي تعني: دعاية رائجة، شائعة؛ لأن الدعايات الرائجة، الشائعة، قد تكون أكثر تأثيراً على البعض، يسمع هذا، ويسمع ذاك، ويسمع ذاك، يسمع هنا وهنا، ومن هنا، ومن هنا، وكأن المسألة أصبحت حقيقة بلا شك.
{فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}، زادوا ثقةً بالله "سبحانه وتعالى"، التجاءً إلى الله "سبحانه وتعالى"، توكلاً على الله، زادوا أملاً بنصره، ثقةً بنصره، رجاءً بنصره، زادوا كذلك قناعةً بما هم فيه من موقف الحق، تجلى لهم في الواقع أهمية موقفهم، ضرورة موقفهم، فيما يرتبط به من نتائج، فيما يترتب عليه من نتائج، اتجهوا بجدٍ أكثر، باهتمامٍ أكثر، بصبرٍ أعظم، هكذا، يزدادون التجاءً إلى الله وجداً في تحمل المسؤولية، واهتمامهم على المستوى العملي.
{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، قالوا بوعي، قالوا بإيمان، قالوا وهم يعون ما تعنيه هذه العبارة، {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ}: يكفينا الله، وفعلاً أليس الله بكافٍ عبده، أليس في الله الكفاية، يكفينا الله أننا معه، أننا في الموقف الذي يرضيه، أننا انطلقنا استجابةً له، أنه لن يخذلنا، لن يتركنا، أنه معنا ونحن معه، يكفينا الله "سبحانه وتعالى" في أنه معنا ونحن معه، في أنه ناصرنا ومعيننا ومؤيدنا، في أنه هو من نرجوه، من نرجو فضله، من نرجو معونته، من نرجو نصره، من نرجو تأييده، وفي المقابل مهما كان حجم التحديات، مهما كان مستوى الصعوبات، مهما كانت كثرة الأعداء، مهما كانت إمكانياتهم، مهما كان حجم التضحيات، مهما كان مستوى المعاناة، حسبنا الله، يكفينا الله "سبحانه وتعالى"، نلتجئ إليه، نثق به، نعتمد عليه، نستمد منه النصر، نستمد منه القوة، وهو القوي العزيز، وهو أرحم الراحمين، وهو العلي العظيم... إلى آخر ما تعنيه أسماؤه الحسنى، هو المهيمن، هو الجبار المتكبر، إلى غير ذلك مما تعنيه أسماؤه الحسنى.
{وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}: نحن توكلنا عليه، بالتجائنا إليه، وثقتنا به، واستجابتنا له، وطاعتنا له، وتبنينا المواقف التي أراد منا أن نقفها، من أجله وقفنا تلك المواقف، طاعةً له، وثقةً بنصره، ثقةً بوعده، توكلاً عليه، ونلتجئ إليه، فما أتانا مما يكتبه لنا فنحن راضون به، {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
يقول الله "سبحانه وتعالى" أيضاً، ليبين ثمرة الإيمان في الثبات في مواجهة التحديات، مهما كان حجمها، ومهما كان مستواها: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب: الآية22]، الأحزاب عندما تحزبوا وتحالفوا على رسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله"، تحالف أعداء الإسلام والمسلمين من العرب مع اليهود، وشكلوا تحالفاً كبيراً، واتجهوا للحرب على رسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله"، ومحاصرته في المدينة، هناك كما قال الله في القرآن الكريم: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}[الأحزاب: الآية11]، وتحرك المنافقون في الداخل لضعضعة الصف الداخلي، حتى سعياً منهم لأن يصيبوا الحالة الداخلية بالوهن والضعف والتخلخل، بدلاً من التماسك والصلابة وقوة الموقف؛ فشككوا، وثبطوا، وخذلوا، واستخدموا كل العبارات التي تشكك، وتوهن، وتضعف، وترجف، وتخيف، وتضعضع، وتزعزع الثقة والأمل بالنصر، حكى الله ذلك بكثيرٍ من التفصيل في (سورة الأحزاب)، وبين كيف كان الموقف المتميز للمؤمنين الحقيقيين، في إيمانهم الواعي الصادق.
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ}، عاينوا وشاهدوا الأعداء بكثرتهم، وقد أتوا بجحافلهم، بجيوشهم، لم تعد المسألة مجرد دعاية (قالوا)، لا، (رَأَى) {رَأَى الْمُؤْمِنُونَ}، لم يضعفهم، لم يوهنهم، لم يزعزع ثقتهم ما رأوه من كثرة الأعداء، ما رأوه من إمكاناتهم؛ إنما كانت النتيجة كما قال الله "سبحانه وتعالى": {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، فكانوا واثقين بوعد الله، وأن الله لن يخلف وعده، بل إن الإنسان يزداد أملاً بالله أكثر، كلما كانت التحديات أكبر، كان أمل المؤمن ورجاؤه في الله وثقته به أكبر، {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}، فنرى أثر وقيمة الإيمان، في الظروف الصعبة، في التحديات الكبيرة، في مواجهة المخاطر.
(وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)
أيضاً يؤكد القرآن الكريم فيما فيه من الآيات المباركة على جوانب كثيرة من الرعاية الإلهية بالتفصيل، تأتي أحياناً في مجالات معينة، جزءٌ منها أيضاً الرعاية الإلهية التي تأتي لمساندة المؤمنين في إطار موقفهم، جهادهم، في مواجهة التحديات والصعوبات، يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، هنا يقدم وعداً قاطعاً أكيداً بعبارةٍ كافيةٍ؛ لتأكيد ذلك: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، فهو يعدهم بالنصر بهذه العبارة القاطعة، بهذا الوعد الصادق القاطع، المؤمن يثق بذلك، المؤمنون يثقون بهذا الوعد الإلهي.
يقول الله "سبحانه وتعالى": {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحج: الآية38]، هذا وعد أيضاً من الوعود الإلهية، وعدٌ صادق، لا يخلف الله وعده، ولذلك المؤمنون يتوكلون على الله "سبحانه وتعالى"، يثقون به، يلتجئون إليه، ينطلقون بروحٍ معنويةٍ عالية، وبصبر، لا يعني ذلك ألَّا يضحوا، ألَّا يعانوا، ألَّا يتعبوا، ألَّا تواجههم أحياناً بعض الإخفاقات، نتيجةً لظروف عملية معينة، عائدة إلى تقصير معين، أو خلل معين، أو قصور معين، أو ما شابه ذلك، هذا كله حاصل، لكنهم يتوكلون على الله، يحتسبون أي تضحية في سبيل الله "سبحانه وتعالى"، يدركون أنهم الفائزون في كل الأحوال، في حال النصر، والشهادة التي تأتي في إطار نصرٍ حتمي، النصر حتمي للإيمان والمؤمنين.
يقول الله "سبحانه وتعالى" أيضاً في توجيهٍ مهمٍ جداً: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، المؤمن لا ينطلق معتمداً فقط على حساباته، على إمكاناته، على قدراته، هو يحسب حساب أن يكون مع الله، وأن يعمل ما يكون به جديراً بمعية الله، ليكون الله معه، ويدرك أن ذلك كافٍ في أن ينتصر، في أن يفوز، في أن يحقق النتائج الكبيرة في هذه الحياة، وأن يفوز بما وعد الله به في الآخرة، يدرك أن خياره الإيماني هو الخيار الصحيح، الذي به الفلاح، به الظفر، به الفوز العظيم.
الإيمان ودوره في الثبات ومواجهة التحديات
عندما نأتي إلى واقعنا كشعبٍ يمني، هويته إيمانية، انتماؤه إيماني، في مواجهة ظروفٍ كالتي نواجهها في هذه المرحلة، في هذا الزمن، زمن هو كغيره من الأزمنة، لكن قد تكون فيه الكثير من التحديات والظروف المختلفة عن كثيرٍ مما قد مضى، لكن الإيمان الصادق، الذي هو صلة بالله، بتعليماته، برعايته، بما وعد به، هو كفيلٌ في مواجهة كل التحديات والظروف مهما كان مستواها، في أي زمن، في أي ظرف، في أي متغيرات، ولذلك نحن نؤكد على أن الإيمان الذي هو انتماء لنا، هوية لنا، هو سبيل نجاتنا في الدنيا والآخرة، هو ما ينبغي أن نعتمد عليه في مسيرة حياتنا، في التزاماتنا العملية؛ لأن الإيمان مسيرة حياة، وتربية، وارتقاء، الإنسان لا يمكن أن يصل إلى أرقى مستويات الإيمان في لحظة واحدة، في مرحلة واحدة، مسيرة حياة، مسيرة حياة، التزامات عملية واسعة يستمر الإنسان عليها، يرتقي فيها بتوفيق الله "سبحانه وتعالى"، وبالأسباب التي أرشد الله إليها في القرآن الكريم.
عندما نأتي إلى واقعنا في هذا الزمن، سواءً في اليمن، أو في غير اليمن، على مستوى الساحة الإسلامية، أو غيرها، ساحة البشرية في كل عصر ساحة فيها صراعات، فيها تحديات، ساحة اختبار، وميدان مسؤولية، دار مستقر الرحمة الإلهية، دار السعادة الأبدية السالمة من كل المنغصات هي الجنة، التي ليست فيها أعباء، ولا تكاليف، ولا تحديات، ولا مخاطر، والحالة من الصراعات، حالة الكدح في هذه الحياة، هي حالة في كل الساحة البشرية، {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}[الانشقاق: الآية6]، فالإيمان هو الربح، هو الفوز، وهو اليسرى، هو الطريق الصحيحة، هو الذي فيه السلامة والخير بما تعنيه الكلمة، هو الخيار الأفضل للمجتمع كمجتمع، للإنسان كشخص في هذه الحياة.

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا