ملف الأسبوع

طوفان الأقصى.. أفق المقاومة الاسلامية وأبعاد المؤامرة عليها (2)

طوفان الأقصى.. أفق المقاومة الاسلامية وأبعاد المؤامرة عليها (2)

عميد ركن/ عابد محمد الثور* /

ليس من السهل على أي باحث أو مهتم بالشأن العسكري أن يقرأ الأبعاد العسكرية لعملية "طوفان الأقصى" إن لم يكن مطلعاً على ما يدور في العالم والمنطقة العربية والإقليمية من أحداث سياسية وعسكرية، حتى يتمكن من ربط الأحداث، وتحقيق أفضل النتائج القريبة للواقع.

إن ما تلقّاه جيش الكيان الصهيوني من ضربة عسكرية من المقاومة الفلسطينية حماس في ٧ أكتوبر 2023م يعدّ إنجازاً عسكرياً لا مثيل له في تاريخ الصراع العربي الصهيوني؛ فهذه العملية وتوقيتها وجغرافيتها وما حققته خلالها يعتبر تقدماً كبيراً وهاماً في مستوى قدرات المقاومة الفلسطينية وإمكانياتها رغم فارق القوة والميزان العسكري والأرض والجوار.

الخطة العسكرية لعملية طوفان الأقصى
إن الهجوم الذي نفذته كتائب القسام على مستوطنات الكيان الصهيوني ومعسكرات فرقة غزة العسكرية من خلف الجدار العازل، تم التخطيط له والإعداد والتجهيز منذ فترات طويلة؛ فالأسلوب الذي تم تنفيذه في هذه العملية كشف مستوى تدريب وإصرار المقاومة على تحقيق شيء ضد الكيان الصهيوني لم يستطع العرب مجتمعون تحقيقه منذ عام ١٩٧٣ م ، فكان التدريب والتنظيم على أعلى مستويات الدقة والصبر والدراسة، والاعتماد على أعلى درجات السرية في كل مراحل التخطيط والتجهيز والإعداد المادي والمعنوي، وبالطبع فمثل هذا العمل يتطلب جهداً كبيراً من الناحية المادية؛ كون القطاع في حصار كامل، وكون الأسلحة والذخائر والوسائط الناقلة والوسائل المطلوبة للتنفيذ تكاد تكون معدومة، وعلى رغم ذلك تم تجهيزها وإعدادها بالشكل المطلوب واللازم لتنفيذ العملية على أكمل تقدير دون نقص أو ترك شيء لظروفه أو للغيب، بل كل صغيرة وكبيرة وضعت بعناية فائقة؛ لأن أي غلطة قد تفشل المهمة.
لقد اتخذت المقاومة كل الإجراءات والتدابير اللازمة لتنفيذ مثل هذه العملية الواسعة والمحدودة في نقاط معينة؛ لتحقيق نتائج سريعة في وقت وزمن بسيط، والحصول على نتائج أكبر من الزمن المفروض، فتمكن أبطال ومخططو المقاومة من الحفاظ على ذلك المستوى من العدائية الظاهرة للكيان الصهيوني وحكومة وجيش الكيان الصهيوني خلال السنوات الماضية، حتى في أشد الظروف والأوقات؛ لكي لا يشك العدو الصهيوني وعيونه التي تعمل لصالحه، فاستطاعت أن تعد العدة، وتجهز كل الإمكانيات للعملية، دون أن تترك أثراً لأي إنسان أن يشك أو يسأل، وانحصرت كل المهام في عدد محدود من قادة المقاومة حفاظاً على السرية، ولضمان نجاح وصولها لليوم المعلوم.

أبعاد عملية طوفان الأقصى
لعل تحديد الوقت لتنفيذ عملية طوفان الأقصى في يوم السبت ٧ أكتوبر 2023م، كان يحمل معه دلالاتٍ وأبعادا غير محسوبة في تقديرات السياسيين، وقد تكون للعسكريين اعتبارات أخرى وقراءات مختلفة؛ فأنا أرى من وجهة نظري: أن هناك اعتباراتٍ وأسباباً جعلت المقاومة تتخذ قرار التنفيذ لعملية "طوفان الأقصى" في غير وقتها الذى كان من المفترض أن يكون ويعود سبب ذلك إلى التسارع في الأحداث التي سبقت عملية "طوفان الأقصى"، والتي أخذت عدة اتجاهات، والتي منها ما تعود إلى تراكمات وأحداث سياسية وعسكرية حدثت في المنطقة العربية والإقليم، و منها ما كانت مفاجئة، وتحمل معها بصمة العدو الصهيوني في ارتكاب الجرائم، ومنها أيضاً ما شجع المقاومة، على تنفيذ العملية في غير وقتها أو في زمانها، إلا أن الأحداث الأخيرة وافقت الوقائع والمناسبات وقد لا تحدث بنفس التنظيم والترتيب الذي هيأها الله فيه. ويمكن ايجازها في عدة نقاط، أهـمها: -
1- أعطي الإذن لقادة المقاومة في "كتائب القسام" بتنفيذ العملية بصورة مفاجئة وطارئة؛ نظراً لقيام العدو الصهيوني كمتهم أول باستهداف الكلية الحربية في حمص يوم ٥ أكتوبر 2023م، وتلك المجزرة بين الطلبة الضباط يوم تخرجهم، وكانت بصمة الكيان الصهيوني واضحة فيها، والإعلام السوري أكد ذلك، وتوقيت الجريمة في احتفالات سورية ومصر بالذكرى الخمسين لحرب ١٩٧٣م والانتصار على إسرائيل، واستمرار إسرائيل في ارتكاب جرائمها على المسجد الأقصى والفلسطينيين في القدس الشريف، قد يكون سبباً مقنعاً لاستعجال هذه العملية لتحمل دلالاتٍ وطنيةً وقومية وعربية و دينية، وتعزّز من موقف المقاومة ومساندتها  للوقوف امام غطرسة وجرائم العدو الصهيوني ۔
2- التوافق في التاريخ والمناسبة الوطنية مع ارتكاب العدو الصهيوني جريمة الكلية الحربية بحمص، والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى والمصلين من سكان القدس الفلسطينيين، وقد لا تتكرر هذه الأحداث وتتوافق في زمن واحد ومتقارب؛ كون أكتوبر والسادس منه يمثل يوماً تاريخياً عظيماً في تاريخ الأمة العربية التي تحالفت للحرب ضد الكيان الصهيوني، ومفاجأة الكيان الصهيوني بهجوم عسكري كبير في يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣م من جهتين، الاولى : من الاتجاه الغربي للجيش المصري ، والاتجاه الشرقي للجيش العربي السوري وكبدت قوات الكيان الصهيوني خسائر كبيرة في ٢٢ يوماً فقط واعلن وقف اطلاق النار من الاتجاه المصري ،  وتآمرت امريكا وبريطانيا واسرائيل على سورية ولم يشملها وقف اطلاق النار واتجه العدو الصهيوني بكامل قدراته ودعم امريكي بريطاني فرنسي باتجاه سورية ولم توقف الامم المتحدة ومجلس الامن الحرب واعلان وقف اطلاق النار الا في ٢٤ مارس ١٩٧٤ م وكان الثمن لتآمر مصر مع امريكا هو احتلال القنيطرة مع الجولان .
3- أبعاد التسمية واختيار كلمة الطوفان لتسمية العملية العسكرية ب (طوفان الأقصى)، وارتباطها كمسمى بالصاروخ البالستي اليمني الذي كشفت الستار عنه القوات المسلحة اليمنية  في 21 سبتمبر 2023م بمناسبة الذكرى التاسعة للثورة، وكذلك كشف الستار عن صاروخ قدس Z-D الكروز بعيد المدى، وكشف الجيش اليمني قدرات هذين الصاروخين وأبعاد تصنيعهما وإنتاجهما من الناحية القومية والعربية، ومواجهة جرائم وتعنت العدو الصهيوني اذا تطلبت المواجهة العسكرية  مع الكيان الصهيوني ، خاصه وان مدى هذين الصاروخين تصل إلى عمق الكيان الصهيوني، وإمكانيتهما التدميرية على اهداف عسكرية واقتصادية حساسة ،  وصعوبة كل وسائل ووسائط العدوان بما فيها أمريكا من التصدي لهما او اعتراضهما ، وهذا تأكيدٌ لخطاب قائد الثورة "السيد عبد الملك الحوثي" أن محور المقاومة جسدٌ واحدٌ لا تفصله سياسات ولا حدود ولا جغرافيا ولا جوازات ، وأن الاعتداء على أيّ محور   من محور المقاومة هو اعتداءٌ على كل محور المقاومة، وسنرد بكل إمكانياتنا وقدراتنا، ولذلك قررت المقاومة وقادتها بإعطاء اسم (طوفان الأقصى) للعملية لتتزامن وجرائم العدو الصهيوني.
4- بنَت المقاومة الفلسطينية عوامل النصر بعملية "طوفان الأقصى" على عدة عوامل، منها جرائم العدو الصهيوني على سورية والمسجد الأقصى الشريف، ومناسبة ذكرى أكتوبر، وسخرية الكيان الصهيوني من هذه المناسبة، وأن العرب في مصر وسورية من منظورهم  بانهم أعجز من أن يردوا على إسرائيل وجرائمها على أرضهم كما حدث في الكلية الحربية في حمص، وأن هذه العملية سوف تستنهض مشاعر الأمة العربية والدم العربي، وأن أنسب وقت للرد على الكيان الصهيوني هو 7 أكتوبر؛ لتشعر الأمة العربية أن المقاومة الفلسطينية حافظت على كرامة العرب وانتصار ١٩٧٣ م وان هذا التاريخ يمثل حدثا مهما  في تاريخ الامة العربية والاسلامية وان استهدافه من قبل العدو الصهيوني لن يمر بسلام ما دامت هناك روح حية في دماء المقاومة الفلسطينية ٠
 5- سجلت المقاومة الفلسطينية موقفاً عربياً وإسلامياً وقومياً لم يسبق له مثيل في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ، وتحملت القيام بهذه العملية العسكرية الكبرى منفردة لوحدها ضد الكيان الصهيوني  رداً على جرائم الكيان الصهيوني، وأن كل محور المقاومة واحد، وأن الأمة العربية قادرة على رد الصاع صاعين لكل من يحاول المساس بكرامة العرب وشرفهم وتاريخهم.
6- استنفار الشارع العربي للوقوف مع فلسطين كشعوب ضد إسرائيل المحتلة وجرائمها ضد أبناء فلسطين كل يوم تحت مسمع ومرأى العالم والمجتمع الدولي، ولتَشْفِيَ صدورَ قومٍ مؤمنين في كل فلسطين المحتلة وفي كل الأمة العربية والإسلامية، وكشف الحقائق والأقنعة عن الحكام العرب الذين يهرولون ويتسارعون للتطبيع الرسمي والعلني مع الكيان الصهيوني، وتهميش القضية الفلسطينية والاستخفاف بشعب فلسطين والتنازل عن قضيتهم التاريخية من خلال استقبال الوفود الإسرائيلية في (السعودية والإمارات وسلطنة عمان) والإعلان المتبادل عن مستوى تطوير العلاقات الثنائية والإسراع في التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، والثمن هو فلسطين ومسجدها الأقصى الشريف.
7- أن تدرك تلك الدول التي دنّست نفسها وحكوماتها بالتفاخر والتباهي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني أن هذا الكيان المغتصب وجيشه الذي لا يُقهر ما هو إلا فقاعة من هواء، وأن إسرائيل هي أحقر مما يتصورون، وأجبن مما يتخيلون، وأنكم بالتطبيع معها قد تفتحون على أنفسكم وأنظمتكم أبواب جهنم، فشعوبكم حرة عربية أصيلة، وسوف تنتفض عليكم كالطوفان لتزلزل كراسيكم؛ قال تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].
فعملية "طوفان الأقصى" هي رسالة لتلك الدول العربية علها أن تعود إلى رشدها ونصابها بين العرب، وأن الخسران الحقيقي هو في التخلي عن المبادئ والقيم والكرامة ؛ فها هي المقاومة الفلسطينية مرّغت ذلك الجيش الذي لا يُقهر، وداست بأقدام الأبطال على رؤوس قادة الجيش الصهيوني، وأن أمريكا لا تريد لكم إلا الذلّ والخزيَ والهوان، والعار؛ فمصالحها ومصالح الكيان الصهيوني غير الشرعي فوق كل المصالح والاعتبارات، وأنكم يا عرب لا قيمة لكم ولا ثمن، وما حدث من ردة فعل أمريكا بعد العملية أكبر برهان على حجم المؤامرة.
* محلل عسكري استراتيجي

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا