ملف الأسبوع

‌‎الكيان أميركا وأميركا الكيان

‌‎الكيان أميركا وأميركا الكيان

عقيد. د. صريح صالح القاز / 

بعد الرحيل المرحلي لبريطانيا عن مستعمراتها عقب الحرب العالمية الثانية؛ استجابة لقاعدة حق الشعوب في تقرير مصيرها التي أكدها ‎ميثاق الأمم المتحدة؛ تسلمت أميركا رسميا ملف المنطقة العربية من بريطانيا،

ولكي تبقيها تحت النفوذ الأميركي؛ جسدت إستراتيجية الاستعمار غير المباشر، وكان أداتها المثلى لضمان ذلك هو الكيان الصهيوني الذي ترى فيه نموذجا سياسيا وليبراليا للنظام، والقيم الغربية في المنطقة، وقاعدة عسكرية- أميركية متقدمة فيها للدفاع عن نفوذها ومصالحها.ولأن المنطقة على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لأميركا، باعتبارها واحة شاسعة للاستثمار في: النفط، والسلاح، والجغرافيا السياسية التي جميعها؛ تضمن استمرار نفوذها وهيمنتها، فلم تدخر جهدا أو وسيلة في سبيل تكريس قوة الكيان الصهيوني؛ السياسية والعسكرية في المنطقة العربية التي ارتبطت بها أكثر من خلال ما يُعرف ب"البترودولار" منذ عام 1974، وسارت من أجل تحقيق ذلك في مسارين: عسكري وسياسي؛ فمن الناحية العسكرية زاد الاهتمام العسكري الأميركي بالكيان الصهيوني بدءًا من حرب أكتوبر 1973؛ حين أنقذته من الهزيمة الكاملة على يد الجيش المصري، إلى مساندة جيش الكيان عسكريا في اجتياح لبنان مطلع الثمانينات، وكذا التدخل المباشر لإزالة المهددات الوجودية المحيطة به؛ سيما مع دخول فواعل عسكرية جديدة(حركات مقاومة)؛ مسرح الصراع، و يتصاعد فِعلها العسكري؛ وعملياتها الفدائية؛ كحزب الله الذي استطاع طَرد جيش الكيان من لبنان عام 2000، وحركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية منذ العام نفسه. وما تدخلها عسكريا في العراق عام 2003، ودعم الكيان في عدوانه على جنوب لبنان عام 2006، ودمج الكيان ضمن القيادة الأميركية الوسطى عام2022، وتزويده بأحدث الأسلحة، وتنفيذ عمليات الاغتيال بحق المئات من القيادات الفاعلة داخل محور المقاومة، فضلا عن العدوان الأميركي- البريطاني على اليمن 12 يناير 2024، إلا دليل على استماتة أميركا من أجل ضمان أمن، وحماية، وتفوق الكيان الصهيوني على حساب شعب فلسطين وقضيته العادلة.
ومن الناحية السياسية تضاعف اهتمام أميركا سياسيا بالكيان ليكون شرطيها في المنطقة؛ كبديل عن شرطيها المخلوع(شاه إيران). وعلى الرغم من نجاحها في إبرام اتفاقات سلام بينه، ومصر(معاهدة السلام-1979)، والسلطة الفلسطينية(أوسلو- 1993) والأردن(وادي عربة-1994)؛ فإنها ما برحت تمضي صوب التخلص من كل العقبات السياسية التي تعترض دمجه في محيطه العربي بشكل كامل. ولكم هي المرات التي اعترضت أو أيّدتْ خلالها قرارات مجلس الأمن الدولي؛ لتحمي الكيان، وتساعده على مواصلة جرائمه، وانتهاكاته لنصوص المواثيق والقوانين الدولية في صراعه مع شعب فلسطين، والتي كان آخرها القرار 2722. وحين وجدت أميركا أن المشاريع التي طرحتها(الشرق الأوسط، الشرق الأوسط الجديد، الشرق الأوسط الكبير، التكامل الإقليمي، تنظيم داعش، الفوضى الخلاقة)، لم تفلح في تحقيق ما ترمي إليه في المنطقة، وتحديدا التطبيع الصهيوني مع دول العمق والأطراف العربية؛ بالإضافة إلى تنامي روح المقاومة المناهضة للكيان، وللوجود الأميركي في المنطقة، وتوسعها في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق واليمن بدعم من إيران التي استفادت من معطيات، وتداعيات ما سميت بثورة الربيع العربي عام2011، في تقوية محور المقاومة؛ فقد لجأت هي الأخرى إلى استغلال هذه الثورة وتوظيفها بما يخدم أمن الكيان الصهيوني، ويحقق أجندتها في المنطقة؛ فإلى جانب تأجيجها لإنهاك الشعوب، والأنظمة العربية؛ أقدمت على تهديد الأنظمة العربية، وابتزاز قياداتها، بمفهوم التغيير الديمقراطي الذي رفعته الجماهير العربية(الشعب يريد إسقاط النظام). ومن خلال مطالب الشعب في التغيير، وتشبث الحاكم العربي بالحكم؛ قايضت أميركا الحاكم العربي- التطبيع مع الكيان؛ مقابل البقاء في الحكم-. وهو ما تم في الأعوام الأخيرة الماضية. وبعد أن ظنت أميركا بأنها نجحت في موجة التطبيع الأخيرة سواءً المتحققة منها أو المنتظرة، واعتقدت بأن الكيان الصهيوني بات متفوقا عسكريا، وسياسيا في المنطقة وأنه إلى جانب عدد من الدول العربية المطبعة معه بات قادرا على القيام بدور الوكيل الأميركي فيها بنجاح، وأنه بات بإمكانها- أي أميركا- مغادرة المنطقة عسكريا بصورة تدريجية للانتقال إلى تحشيد قوتيها: العسكرية لمواجهة روسيا في أوراسيا، والإستراتيجة لمواجهة الصين في تايوان، وبحر الصين الجنوبي؛ فإنها قد تفاجأت بعملية طوفان الأقصى التي كسرت هيبة الكيان، وهددته، وجوديا، وأصبح لأول مرة يستجدي الحماية، وخلطت أوراق المنطقة كلها، ووضعت القضية الفلسطينية، ومستقبل الكيان، والنفوذ الأميركي؛ أمام سيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا