كتابات | آراء

سؤال الزمن الثوري والزمن الحضاري:ما الذي يحدث في المنطقة العربية؟

سؤال الزمن الثوري والزمن الحضاري:ما الذي يحدث في المنطقة العربية؟

سؤال لابد أن يحفر في الذاكرة, وهو يبحث عن إجابة منذ اندلعت ثورات الربيع العربي, وثمة ما يماثله من علامات الاستفهام.

هل الثورات حققت للشعوب ما كانت تنشده من أمن وحرية وعدل ورخاء؟
هل الشعوب هي من يتحكم في المسار الثوري, ومسار الأحداث؟
الى أين تتجه سفن المنطقة؟
أصبح الواقع مسؤولاً عن هذه الأسئلة وعن الإجابة عليها, وهو في كل تفاصيله يتحدث عن انحراف في المسارات العامة الثقافية, والاجتماعية, والسياسية, ويتحدث عن غبن الشعوب, وعن استغفالها, فهي خارج سياق الاحداث وفي السياق هي الوقود للحدث, دون أن تصل الى غاية, أو تبلغ هدفا,وكل حركة الواقع من حولنا تتحدث عن حركة مضطربة في اليمن, وفي ليبيا, وفي سوريا, وفي العراق, ومعاناة في مصر, وقلق في تونس, ومسار الأحداث يتجه الى السيطرة على طرق الملاحة, فالقواعد الأمريكية تحط رحالها في البحر الأحمر والبحر العربي, وتسيطر على الجزر ذات الأهمية الإستراتيجية, وتم انتزاع جزيرة صنافير وجزيرة تيران من السلطة المصرية,والسيطرة على جزيرة ميون وسقطرى, وحنيش الصغرى وحنيش الكبرى, واكتمل المشهد بإحكام السيطرة على خط الملاحة البحري في البحر الأحمر والعربي, ويبدو في المشهد الظاهر أمريكا وأدواتها من العرب, لكن كل هذا المهاد العسكري تديره المؤسسة اليهودية التي تحلم بالدولة الموعودة الممتدة من النيل الى الفرات.
الصراع الاقليمي الذي نلحظ كل يوم تفاصيله بين السعودية وايران في النشاط العسكري والسياسي, هو في جوهره صراع على الدولة الاقليمية ومركز الدولة الاقليمية لكن الصورة الباطنة هذا الصراع هو بين اسرائيل وايران في التنافس وليس بين السعودية وايران كما يبدو في ظاهره, فحركة التبدلات تقول أن السعودية التي تمعن في العداوات لدول الطوق المحيطة بها, لن تكون هي الدولة القادرة على التنافس على مركز الدولة الإقليمية, لعدم قدرتها على التأثير في المسارات بحكم نمو المشاعر السلبية نحوها,عند شعوب دول الطوق الجغرافي, بالإضافة الى حالة التوحش التي بدت عليها في حربها على اليمن, وغضب الكثير من الفرق والجماعات الدينية منها, وبذلك فهي تزرع لغيرها, وتمهد لفنائها من حيث تظن أنها تحسن صنعا, فحالة الانتقال في نظام الحكم السعودي من الأسرية والعشائرية, الى الجماهيرية بالتركيز على الجيل الجديد محكوم عليها بالفشل, فالمستبد الذي يحاول أن يكون شعوبيا في الغالب يكون مصيره الفشل ويفقد سلطته, فالمملكة منذ التأسيس تقوم على حالة تناقض وهذا التناقض في التركيب كانت تنظم عقده المؤسسة الدينية, فالتحول من العصبية العشائرية الى العصبية الدينية كان سببا في استقرار المملكة طوال كل العقود التي مضت, واعلان الخروج على سلطة المؤسسة الدينية والحد من دورها وفاعليتها بالانتقال الى الشعوبية, يفسح المجال لعودة العصبيات العشائرية, وخاصة بعد حركة التوقيف والاعتقالات, واعلان الاصلاحات الاقتصادية,وتحرير الحياة الاجتماعية, واعتماد سياسة خارجية جديدة في المواجهة, والقيام بتغيير الرؤية الاسلامية في البلاد, وتحجيم دور رجال الدين, وتغيير منظومة الحكم التقليدية, بروح المستبد الذي يريد تجميع خيوط اللعبة السياسية بيده فيفقد كل شيء بعد ذلك.
تلك المؤشرات تدل على استحالة بقاء المملكة كدولة موحدة وقوية, بل تدل على مؤشرات التفكك والضعف والتلاشي, ومن هنا يصبح الحديث عن مركزية السعودية ضربا من العبث الذي لا طائل منه, فتفكيك الدول على أسس عرقية وطائفية وثقافية سيجعل من اسرائيل هي الدولة التي تنافس ايران على موقع الدولة الاقليمية وليس السعودية التي تذهب اليوم الى فناء مؤجل بسبب غباء قادتها.
فالسعودية كما تبدو ليست أكثر من أداة او آلة تعمل لغيرها فجزيرتا صنافير وتيران لا مصلحة للسعودية فيهما، ولكن لإسرائيل مصلحة إستراتيجية كبرى فيهما, وإقلاق أمن لبنان ومناصبة حزب الله العداء لا مصلحة مباشرة للسعودية في ذلك بل مصلحة مباشرة لإسرائيل, والاستغراق في استهداف اليمن أرضا وإنسانا ودولة لا مصلحة للسعودية بل لحركة الهيمنة على المنافذ لإسرائيل, وأمام حركة التبدلات التي تجري على قدم وساق في المنطقة يجدر بنا الوقوف أمام الظاهرة ليس باعتبارها ثباتاً لا يمكن تحويله, بل باعتبار ما يحدث حركة تاريخية تحولية, لابد من التحكم بمسارها حتى نحقق المصالح المرسلة لشعوبنا, فتفكيك السعودية وتحويلها الى ثلاث دول, أثره على نهضة اليمن أثر إيجابي, بالقياس على الحال الذي كنا عليه, وبالقياس يمكن التفاعل مع حركة التبدل التي سوف تحدث بوعي المصلحة المرسلة لا بوعي المؤامرة, فعمر الدول لا يتجاوز مئة عام ماعدا الدول التاريخية كمصر واليمن وسوريا.
في الواقع العربي اليوم تحول كبير, والذين يديرون العملية السياسية على المستوى الدولي يضعون حركة التحول العربي نصب أعينهم وقد سبق لهم التمهيد لهذا التحول من خلال تشويه البنية الفكرية والعقائدية العربية, وظل الاشتغال على التوجه لسنوات طوال.
والمعادلة الأصعب هي حين يصبح التفاعل مع حركة المستوى الحضاري بوعي المؤامرة لا بوعي التأثير في مسار السياسة الدولية حتى يكون العرب قوة لها تقديرها ولها حسابات في الوعي الجمعي الدولي.
فالصراع تجاوز البعد الاقتصادي ليكون مرتكزة البعد الثقافي والحضاري, فقضية ايران مع الغرب قضية ثقافية وحضارية, وصراعها صراع تفوق حضاري مع اسرائيل, فالغرب يرفض شكلا أن تكون ايران دولة نووية، ولكنه يغض الطرف عن نووية اسرائيل, ولذلك فالصراع في اليمن لا يعني ايران ولكنه يشكل ورقة ضاغطة لحسابات سياسية لها, وكذلك الوضع في سوريا فهو يشكل حالة توازن سياسي لإيران مع إسرائيل, وبالمثل فالعراق يشكل حالة توازن للغرب واسرائيل مع ايران واليمن تشكل حالة توازن ثانوية لإيران مع السعودية التي تقدم نفسها كحليف للغرب ويشتغل على البعد الثقافي لاستغلال أموال السعودية في إدارة الصراع.
مؤشرات التحول الثقافي في السعودية بدأت منذ مطلع العام 2018م وربما بدأت بعد وصول ابن سلمان الى ولاية العهد، وهذا التحول يشكل الضامن الحقيقي لاستمرار تدفق المصالح بين الغرب والسعودية ويحد من ظواهر التطرف مع تماهي مشايخ الوهابية في مشروع المرحلة.
وأمام تلك الصورة يتطلب الواقع وعيا حضارياً وثقافياً وتفاعلاً مؤثراً في مسار المرحلة وهي مرحلة خطرة تشهد تحولاً كبيراً وعميقاً ولابد من مقارعتها بالوعي المؤثر في المسار لا بوعي التدمير والحرب والخراب الذي يفترض بنا الوقوف أمامه بقدر من المراجعة والتقييم.. فالعصر الذي هجم علينا قبل الاستعداد له علينا أن نستعد له بالتحكم بمساراته والتأثير في نسقه العام فالقوة التي تختزنها القيم الحضارية والاخلاقية هي أمضى من غيرها في عالم لم يعد مستقرا حضاريا وسريع التحول.
لقد شكل سقوط بغداد عام 2003م نقطة تحول جديدة في الواقع العربي, فالغرب الذي يتقن تحديد المسارات ويعرف قانون التاريخ كان مدركاً أن العرب لا يمكن السيطرة عليهم إلا من خلال البعد التاريخي والتحكم في مساراته والسيطرة على مقاليد صناعته ولذلك عمدوا على القضاء على المشروع القومي والمشروع التحرري والمشروع العقائدي والمشروع الثقافي فتاه العرب في حركة فوضى لا طائل من ورائها بدأت هذه الحركة عام 2011م وقد سمعنا يومها كلاما على لسان قوى اليسار اليمني يقول بسقوط الايديولوجيا فكان ذلك نذير شؤم وانهيار, وكنت أكتب محذراً من هذا المآل في عدد من الصحف, لكن كان الصراخ أعلا من ندائنا فلم يأبه أحد لذلك ولعل كتابي "الربيع العربي..دم وعواصف" الصادر عام 2014م قد تضمن مثل ذلك النداء.
في تصورات المجتمع الغربي أن العرب أمة متوحشة مهددة للحضارة الانسانية ولا يمكنها أن تستقر بل قد تشكل تهديدا مستمرا للحضارة الانسانية مالم يتدخل الغرب للسيطرة على مقدراتهم وتهذيب مجتمعاتهم, ولذلك قد تجد نفورا في المجتمع الغربي نتيجة ذلك التصور والأمر لا يحتاج الا الى نظرة بسيطة الى الشبكة العنكبوتية ليكتشف المرء حجم ومدى التصورات النمطية عن الشخصية العربية في وجدان المجتمع الغربي.
وأمام مثل ذلك التصور الذهني يفترض بنا تنمية الاشتغال الثقافي والاشتغال على الفنون الحديثة بكل تنوعها حتى تصل رسالتنا الى المجتمع الانساني لبيان موقفنا الثقافي والاخلاقي من أجل قضايا الإنسانية, وفي تاريخنا نماذج انسانية تفوق ما وصل اليه الانسان المعاصر لكننا قوم غافلون لا نهتم إلا بباب الطهارة والنجاسة وبباب النكاح وتركنا كل الاشارات الانسانية في بعدها القيمي والأخلاقي وراء ظهورنا.. فهل آن لنا أن نفيق؟.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا