كتابات | آراء

بوح اليراع: الشهيد (محمد صلاح) والحنين لـ(رياض الصالحين)

بوح اليراع: الشهيد (محمد صلاح) والحنين لـ(رياض الصالحين)

لقد أنجز «محمد صلاح إبراهيم» الذي استشهد الأسبوع الماضي عن 23 ربيعًا بعد أن تجند عام 2020 في «الأمن المركزي المصري» لأداء «الخدمة الإلزامية» -باقتحامه معبر «العوجة» الحدوديّ وقتله ثلاثة وجرح رابع من يهود حرس الحدود- ما لم تنجزه جيوشنا النظامية.

وقد كان الشهيد «محمد صلاح» -بالرغم من محدودية تأهيله التعليمي- يحمل بين جنبيْه قلبًا كبيرًا يستشعر -بوعيٍ واستشراف نادرين للأحداث والمتغيرات- شدةَ معاناة أشقائه الفلسطينيين لا سيما الغزاويون الذين يتعرضون -في معظم الأحايين- لنيران القصف الصهيوني الذي تباشره السلطات الاحتلالية الإسرائلية المدعومة من الأنظمة الصهيوصليبية الغربية على مسمع ومرأى من الأنظمة العربية التي تتجاهل -عادةً- كل ما يرتكب -في حق الأطفال والشيوخ والنساء- من مجازر شنعاء، بينما كان الشهيد «صلاح»  يلجأ -في تلك الأثناء- إلى سلاح الدعاء المفعم باليقين بأنَّ «الله يقف بجانب فلسطين وشعب فلسطين وأنهما على موعدٍ مع نصرٍ مبين، ولو بعد حين»، فقد نشر في حسابه على «فيس بوك» -بالإضافة إلى وسم «#غزة_تحت_ القصف»- تدوينةً هذا نصُّها: «أنا على أتمِّ اليقين من أنَّ الله يقف إلى جانب فلسطين وأهل فلسطين» -بحسب ما أورد موقع «عرب٤٨»- بالتزامن مع الهجوم الصهيوني على «قطاع غزة» في مايو 2021، فضلًا عن أنَّه كان -على الدوام- شديد التأثر بكلِّ ما يرتكب في حقِّ أبناء الشعب العربي الفلسطيني المجاهد والصابر -بين الوقت والآخر- من مجازر بشكلٍ متكرر،  كما كان دائم التحسُّر جراء التعامي العربي الرسمي عن تنامي المشروع الاستيطانيّ الصهيوني الالتهامي الهادف إلى ابتلاع البقية الباقية من التراب الفلسطيني الطاهر.
وما كان لذلك الشهيد الصنديد أنَّ يحمل همَّ قضية العرب والمسلمين «قضية فلسطين» قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين قضية مسرى خاتم النبيين وسيد المرسلين، لولا أنه كان -بالإضافة إلى رقة مشاعره ورهافة إحساسه وسمو أخلاقه- ذا نفس تواقة إلى بلوغ مراتب عباد الله الصالحين المتوكلون على ربهم بكلِّ كبيرةٍ وصغيرة، فقد اشتملت آخر تدوينةٍ له في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» التي نشرها -بحسب ما أوردت وسائل إعلامية عدَّة على هامش خبر استشهاده- مرفقةً بصورةٍ شخصية فوتوغرافية له وهو يمتطي جوادًا عربيًّا أصيلًا في مكانٍ ما من صحراء «سيناء» على هذا الدعاء الجدير بالاستحضار والاستدعاء: «اللهم كما أصلحت عبادك الصالحين ورضيت عنهم، أصلحني -اللهمَّ- واجعلني منهم»، وهو دعاء لا يصدر -من وجهة نظر الكثيرين- إلَّا عن شخصٍ ربَّاني بكل المعاني، ألهمته ديمومة مناجاته لربِّه في خلواته وفي أعقاب صلواته الدعاء بتبويئه منزلة من اصطفاهم المولى -جلَّ وعلا- من عباده الفضلاء المتردد ذكرُهم في الملأ الأعلى، فاستجاب الله دعاءه، فأنعم الله عليه وألحقه بالصالحين الذين أحبَّهم فيه، فعبد الله -شأنه شأن تلك الفئة الخيِّرة- على بصيرة، وعاش -نتيجة خوفه الإيجابي من الجليل، وتمثله السلوكي والممارساتي بما جاء في محكم التنزيل، وقناعته التامَّة بالقليل، واستعداده الدائم للحظة الرحيل- عيشةً طيبةً مرضيَّةً حُرم من حلاوتها الكثير من أبناء هذا الجيل.
ولأنَّ «محمد صلاح» كان أنموذجًا فريدًا في التقى والصلاح، فقد كان -بحسب ما يتردد في مواقع التواصل بشكلٍ متواصل- يسأل الله -دائمًا وأبدا حياة السعداء وميتة الشهداء، فكان له في الأولى من ربه -عزَّ وجل- ما سأل من حياةٍ سعيدة تمثلت في الدفء الأسري، وفي الصحبة الجيدة، وفي القبول المجتمعي الذي تُرجم -بدون سابق تنسيقٍ أو تخطيط- تعاطفًا  جماهيريًّا تجاوز ما بين الخليج والمحيط واضطر السلطات المصرية إلى تشييع جثمانه الطاهر بقدرٍ كبيرٍ من السرية خشية ما كان متوقعًا من تحوُّل عملية تشييع شهيد الأمة إلى مظاهرة مليونية عارمة، وكان له في الأخرى -من ناحيةٍ أخرى- ما أراد من تهيئة أسباب الاستشهاد التي من شأنها تبويئه -بالإضافة إلى خلود ذكراه العاطرة في أوساط العباد- الفردوس الأعلى (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) سورة النساء من الآية: (69).

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا