كتابات | آراء

هل من انفراجة في عشر ذي الحجة؟

هل من انفراجة في عشر ذي الحجة؟

في مثل هذه الأيام من كل عام تزخر برامج وسائل الإعلام ومنشورات مواقع التواصل وخطب المساجد بالترويج لأحبِّ الأعمال في العشرة الأيام الأول من شهر ذي الحجة الحرام موليةً الحضَّ على استغلال أيامها بالصيام ولياليها بالقيام قدرًا كبيرًا من الاهتمام.

وفي سبيل استنهاض همم الخواص والعوام من أبناء مجتمع الإسلام لعمارة ساعات ودقائق هذه الأيام العظام -بالإضافة إلى ملازمة الأذكار على الدوام- بفريضتي ونافلتي الصلاة والصيام، يستحضر الخطباء وكوادر الإعلام ورواد مواقع التواصل -بتكرارٍ شبه كامل وبتزامنٍ شبه تام- كلَّ ما يؤكد أفضلية هذه الأيام على سائر أيام العام من الآيات القرآنية الكريمة التي يتصدرها قول الملك العلَّام: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) أيْ الآيتان الأوليان من سورة (الفجر) اللتان استُهِلَّ بهما القسم، نظرًا لما تتسمان به من عِظَم، ومن الأحاديث النبوية الشريفة المأثورة عن خير الأنام، مثل قوله -عليه أفضل الصلاة والسلام- من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ» [يعني أيامَ العشر]. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء» رواه أبو داود، وقوله -صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا- من حديث ابن عباس -أيضًا-: «ما من عملٍ أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى». قيل: ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء» رواه الدارمي، وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من حديث جابرٍ -رضي الله عنه- :«إن العشرَ عشرُ الأضحى، والوترُ يوم عرفة، والشفع يوم النحر»  رواه الإمام أحمد، وقوله -صلوات ربي وسلامه عليه- من حديث جابر -أيضًا-:«ما من أيامٍ أفضل عند الله من أيامَ عشر ذي الحجة». فقال  رجلٌ: يا رسول الله هن أفضل؟ أم عِدتهن جهادًا في سبيل الله؟ قال: «هن أفضل من عدتهن جهادًا في سبيل الله» رواه ابن حبان، وقوله -عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم- من حديث جابر -رضي الله عنه-: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر» يعني [عشر ذي الحجة].  قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: «ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفّر وجهه في التُراب» رواه الهيثمي، وقوله -صلوات ربي وسلامه عليه- من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-:«ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ» رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند.
وغالبًا ما يختتم معظم الوعَّاظ والمرشدين مواعظهم مشيرين إلى قوله -فداه أبي وأمي ونفسي والناس  أجمعين- من حديث أَبي قَتَادَةَ الأنصاري -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ-: «صيام يوم عرفة، احتسب على الله تعالى أن يُكفِّر ذنوبَ السنةِ التي قبلَه والسنةَ التي بعده» رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وبالرغم من أنَّ كلَّ ما سبق وعظ مستحق، وهو من الأهمية بمكان إذْ لا غنىً عنه لأيِّ إنسان، إلَّا أننا نعيب على أصحابه عدم أخذهم بالحسبان صعوبة الظروف المادية والمعيشية التي يمر بها جُلَّ سكان «يمن الحكمة والإيمان» الذين يرزحون -منذ ما يزيد على ثماني سنواتٍ «غير سمان»- تحت وطأة مستوياتٍ متفاوتةٍ من صنوف الحصار والعدوان التي خلفت في الأوساط المجتمعية اليمنية مآسي يشيب من هولها الولدان.
فنحن-في هذه الظروف الاستثنائية- بأمسِّ الحاجة إلى خطابٍ توعويٍّ إرشاديٍّ متسمٍ بالشفافية والأمانة يشخَّص قسوة وصعوبة الظروف الراهنة ويلفت انتباه مختلف القوى السياسية اليمنية الحيَّة إلى ما يمرُّ به السواد الأعظم الشعب -جرَّا تفاقم أوضاعه المعيشية- من حالةٍ مأساوية، علَّ تلك القوى تقدِّم -مراعاةً منها لظروف الشرائح المجتمعية العالقة بين براثن العوَز وأنياب الحاجة- من التنازلات ما يسهم إسهامًا بنَّاءً وفاعلًا في تسريع حدوث الانفراجة التي لا تكاد تترآى لنواظرنا بكلَّ ما تحمله لنا بين يديها من بصيص أمل بأننا نُوشك أن ننتقل إلى واقعٍ حياتيٍّ ومعيشيٍّ أفضل، حتى تتوارى عنَّا تواريًا مفاجئًا، فيتلاشى مع ذلك التواري المتعاقب حلم كل موظف مثابر ومواظب في تسلُّم (عشرات الرواتب).
فهل لنا أن نؤمل بحدوث انفراجة بالتزامُن مع حلول عشر ذي الحجة؟ فينعم الموظف الذي تضرِّسهُ أنيابُ الحاجة -في عيد الأضحى المبارك- بفرحةٍ مزدوجة؟

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا