القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد « 14 »

إن الاجتماع بين القبائل سواء تم عقده في مكان مثل صرواح أم لا هو أيضًا نقطة ثابتة محمية وغالبًا ما يتم التحدث عنها صراحة باسم التهجير او الهجر ويستحق هذا الإجراء وصفه بإسهاب باعتباره واحدًا من الإجراءات الرسمية القليلة واسعة النطاق بين القبائل

والتي تستحق الوصف بأنها طقوس مميزة وخاصة باليمن فقط، إذا عُقد الاجتماع في مكان محدد فإن القبيلة التي دعت إلى الاجتماع تتجمع هناك أولاً ومع اقتراب الآخرين تصطف القبيلة الأولى في قوس واسع لمواجهة الوافدين الذين يسيرون في طابور نحو نقطة الالتقاء وهنالك مجموعة تقرع الطبول أمامهم وربما يرقص رجال القبيلة مع الخناجر عالياً ويرددون الزوامل وهي جمع زامل أو الأناشيد الجماعية هذه الزوامل هي نوع من القصائد المغناة عندما يقترب الوافدون من القبيلة الأخرى ينتشرون ليشكلوا هلالًا أو قوسًا أمامهم ربما يطلقون النار في الهواء ويُطلق على هذا النوع من الطلقات اسم التعشيرة وأول من يصل يرد التحية بإطلاق النار في الهواء فوقهم تتوقف المجموعتان على بعد حوالي مائة متر ويجري بينهم الدوشان أو المبشرون ويهتفون بمدح الجانبين الدواشن ليسوا رجال قبائل على الرغم من أنهم جميعاً ينتمون إلى قبائل معينة إنهم شخصيات محايدة يملأون هنا المساحة المحايدة ويطلقون عباراتهم المعتادة في صيحة متوترة مميزة حيث تتشكل الأهلة مقابل بعضها البعض ثم يطلق رجال القبائل النار في الهواء ويهدأ إطلاق النار عندما يتقدم شيخ أو مجموعة مشايخ من المجموعة الأولى إلى الأمام يرحبون بالقادمين ويتبع ذلك تبادل رسمي للأخبار يبدأ شيخ من المجموعة الأولى هذا بقوله: حيا الله الوصالة ونرحب بعلمكم ما أخباركم يا طيبين العلم أدام الله عمرك أيها الواصل إلى هنا ونرحب بأخبارك ابشر بخيرك يا من خبرك خير وصل شيخ من المجموعة للتو ثم أجاب واجب بسلامتكم أهلا وسهلا ثم يذكر سبب مجيئهم وينهي خطبته بـ انتو ما علمكم وتعني وأنتم ما أخباركم فيرد شيخ الطائفة الأولى بـ: الواجب بسلامتكم أهلا وسهلا وهنا قدماكم نقف أمامكم مناظرين لكم والله يصلح الشأن شأننا وشأنكم قضى الله أمرنا وأمركم..
يتراجع خطوة أو اثنتين إلى مجموعته ثم يتحرك قوسا الرجال للأمام لإغلاق الدائرة وبمجرد إغلاق الدائرة يجتمع المشايخ من الجانبين أو من ينتدبهم للتحدث باسم رجالهم كمجموعة في مركز الدائرة وبعد أن يسلم كل منهم على الآخر شخصياً يبدأون في مناقشة أي سبب كان للاجتماع محتجز الشكل هو نفسه دائمًا ولا تختلف الصياغة إلا قليلاً وبمجرد إغلاق الدائرة تحظر كل أشكال العنف وتحدد وثيقة ذو محمد المقتبسة سابقًا القواعد بمصطلحات تكاد تكون متوازية تمامًا مع تلك المستخدمة لضمان السوق في اجتماعات ذو محمد او القبائل التابعة لها.
تسقط مكانة رجل قبيلة إذا اعتدى شخص من أحد القبائل او الاقسام على شخص ما في الاجتماع ولن يكون له اي حق في المطالبة بأي شيء او أي علاقة برجال القبيلة ممن حضروا الاجتماع وبدلا من ذلك سوف يرافقه مرافق إلى منزله وليس له حق في أي مكان من أراضي القبيلة ولو في سوق العنان ولكن عليه أن يبقى في بيته حتى يدفع تعويضا الى من اعتدى عليه ومن دعا إلى الاجتماع كما هو الحال دائمًا مع مسائل الشرف فإن معنى القواعد يتجسد بوضوح فقط من خلال خرق الاتفاقيات في أي اجتماع وتسير القبائل أو الأقسام التي تحضر الاجتماع كما لو كانت إلى الحرب ومع ذلك فإن احتمال حدوث هذا الانتهاك قليل جدا ويتوقفون على مسافة من بعضهم البعض وتملأ الشخصيات المحايدة المصونة من المبشرين أو الدواشنة المسافة بينهما حتى يتبادل المشايخ من كل جانب الأخبار بشكل رسمي ثم تنغلق الدائرة، إن المعارضة بين القبائل والوضع المؤقت للهدنة الملزمة تتجلى على الأرض من خلال تحركات رجال القبائل ربما هي لحظة يقوم فيها المجتمع وأفراده بتقييم عاطفي لأنفسهم ووضعهم فيما يتعلق بالآخرين وأهمية التهجير والهجر هي في جوهرها واحد سواء كان في منطقة ثابتة ومحددة تم إنشاؤها أن تكون نقطة دائمة أو أن تستمر لمدة ساعة فقط وسواء كانت تحتوي على سوق أو رجال دين أو مجرد مجموعة من رجال القبائل وهي تعتبر لحظة هدنة بين القبائل وإن خرق السلام يتطلب تعويضات ثقيلة، في الأحوال العادية لا يوجد سلام رسمي بين رجال القبائل لكن كل رجل يدافع عن نفسه ضد الآخرين وكل مجموعة من الرجال ضد الرجال الآخرين وإذا قتل رجل او طلب دية أو طلب رجل منهم لرجل منا فعند ذلك يتم تحديد نقطة هي الهجرة لحل هذه الأمور.
 لم يعد العنف أمراً عادياً ولكن يتم دفع ثمنه عن طريق تعويضات ثقيلة وقد يتعين دفع الدية ليس مرة واحدة فقط بل أحد عشر ضعفًا في بعض الحالات، إن للمساحة المحمية قيمتها الخاصة تقريبًا بغض النظر عما يحدث هناك إن الحفاظ على القيم عند حدود هذا التفرد واضح ولكن هناك جانبان متميزان للنقطة المجددة للهجر بصورة دائمية فهي محمية ضد الغرباء وإلى هذا الحد تظهر العدالة والتسلسل الأخلاقي الذي تم التأكيد عليه سابقا.