كتابات | آراء

غزة والقصف المسعور وأزمة الأكفان والقبور

غزة والقصف المسعور وأزمة الأكفان والقبور

ليس من قبيل المبالغة اعتبار المجزرة الوحشية التي يرتكبها الصهاينة بأحدث ما انتجته المصانع الغربية من أسلحة فتاكة في حقِّ مدنيي «قطاع غزة» -للأسبوع الرابع على التوالي- واحدةً من أبشع المجازر التي ارتكبت في التأريخ المعاصر إن لم تكن أبشعها على الإطلاق، وأشدُّها تحللًا من مكارم الأخلاق.

فها هي السلطات الصهيونية ومن يقف خلفها من القوى الماسونية-بالإضافة إلى خرقها للعادة باستهدافها بحرب إبادة حتى النساء والمسنين والأطفال الذين التجأوا للاحتماء من نيران ذلك القصف الأعنف إلى المدارس والمستشفيات ودور العبادة- تشدد الحصار المضروب على القطاع منذ سبع عشرة سنة وتحول -بتواطؤ مخزٍّ من الأنظمة العربية وعلى رأسها السلطات المصرية- دون دخول الحدَّ الأدنى من المساعدات الإنسانية الضرورية، بما فيها الوسائل العلاجية التي تسهم -إلى حدٍّ ما- في إنقاذ حياة أكبر عدد ممكن من الجرحى، بل إنَّ الحصار يمنع -في ما يمنعه- الكمامات الأقنعة والأقمشة والوسائل التي لا بدَّ منها لتكفين ومواراة جثامين الشهداء الذين تتزايد أعدادهم جرَّاء وفاة أعدادٍ كبيرة من الجرحى الذين يتعذر إنقاذهم نتيجة الافتقار إلى الأدوية والوسائل العلاجية والإسعافية التي بلغت -هذه الأيام- حالة الانعدام التام، بفعل الحصار المضروب حول القطاع بشكلٍ مستدام.
وبعد أن لوحظ ارتفاع أعداد الشهداء -في الأيام الأخيرة- على إثر نفاد ما كان لدى المستشفيات من أدوية ووسائل علاجية وإسعافية وتعذر تعويضها بسبب استمرار الحصار، لم يعد من المستبعد أنَّ العدوان على قطاع غزة منطوٍ على سوء نوايا بهدف مضاعفة أعداد الضحايا.

حدوث أزمةٍ في الأكفان
ما من شكٍّ أنَّ تعرُّض قطاع غزة المحاصر منذ سبع عشرة سنة أو أكثر الذي يعاني -جرَّاء ذلك الحصار- من نقصٍ حادٍّ في المواد الأساسية لحربٍ جويةٍ وصاروخية ذات كثافةٍ نيرانيةٍ كبيرة وقدرةٍ تدميرية هائلة تتسبب -في غضون ساعات- بوفاة وإصابة المئات قد أدى -بالإضافة إلى عجز الفرق الإسعافية والأطقم الطبية المحدودة الأعداد عن تقديم الخدمات الإسعافية والعلاجية لمئات المصابين كاملة وعجزها عن تجهيز وتكفين مئات الوفيات بصورة متواصلة- إلى تزايد عدد الشهداء من يوم إلى آخر بما يترتب على ذلك التزايد من استنفاد كافة احتياطيات المستشفيات والسكان من الأقمشة الملائمة لتكفين جثامين ضحايا العدوان، فحدثت -منذ الأسابيع الأولى لتعرض سكان القطاع لهذا الابتلاء- أزمة أكفان لم تكن تخطر على بال إنسان، وذلك ما أكده «رائد موسى» -في سياق تقريره الإخباري الذي نشره موقع «الجزيرة نت» في الـ22 من أكتوبر الجاري- بقوله: (تواجه السلطات المحلية في غزة صعوبات جمة في مجاراة الأعداد اليومية من الشهداء، وتوفير ما يلزم لإكرامهم بالدفن، ابتداءً من "أكياس الموتى" المستخدمة لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، مرورًا بـ«الأكفان»، وحتى القبور في مقابر فاضت بما استقبلته من جثث ضحايا الحرب المستمرة للأسبوع الثالث على التوالي).

تفاقم أزمة القبور
إنَّ محدودية مساحة «قطاع غزة» التي لا تزيد عن 360 كليو مترًا مربعًا المكتظة بعدد سكان يبلغ 2.3 مليون نسمه تفاقِم أزمة توفير المقابر حتى في أوقات السلم المقتصرة على أعدادٍ محدود من الوفيات، فما بالنا بهذه الظروف التي يتعرض فيها القطاع في اليوم الواحد لعشرات وربما مئات الغارات التي تودي -بالإضافة إلى أعدادٍ كبيرةٍ من الجرحى- بحياة المئات.
لا شك أنَّ أزمة المقابر وأزمة القبور في ظروف هذا القصف الذي يحصد -صباح مساء- أرواح مئات الشيوخ والأطفال والنساء تتفاقم إلى أبعد مدى، الأمر الذي يضطر السلطات المحلية إلى مواراة جثامين أو أشلاء شخوصٍ  عدَّة في قبرٍ واحدٍ أو حفرةٍ واحدة، وحملها على العدول عن مواراة جثامين أو أشلاء الشهداء في قبور منفردة إلى المواراة جماعات في قبور جماعية، وقد برر اللجوء إلى هذا الإجراء المدير العام للأملاك الوقفية في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية «مازن النجار» في حديثه لـ«الجزيرة نت» قائلًا: (وإزاء هذا الواقع الصعب لجأت السلطات المحلية إلى الاستعاضة عن القبور الفردية الاعتيادية التي تحتاج مساحات وتجهيزات بحفر قبور جماعية في مقبرة الطوارئ بطريقة الخطوط المتوازية).
وفي هذا المعنى استهلت «سارة وائل» الخبر المختصر المعنون [دفن 56 شهيدًا مجهول الهوية في مقابر جماعية بغزة] الذي نشرته «بوابة روز اليوسف» السبت الـ21 أكتوبر على النحو التالي: (تسبب ارتفاع أعداد الشهداء بـ«غزة» في إجبار الفلسطينيين -في "حي التفاح"- على دفن عشرات الشهداء بشكل جماعي بمقبرة الطوارئ).

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا