كتابات | آراء

الإنجاز اليمني رسالة قوية إلى آسيا الصاعدة؟

الإنجاز اليمني رسالة قوية إلى آسيا الصاعدة؟

جردة الحساب التي قدمها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي _ حفظه الله _ في خطاب الخميس الماضي، أبرزت مستوى التغير الإستراتيجي الذي أحدثه التدخل اليمني لصالح فلسطين في معركة طوفان الأقصى.

وسيكشف المستقبل القريب عن حجم تأثير 183 عملية ضد العدو الصهيوني، ومقدار الإرباك الميداني والإقتصادي فضلا عن الخسائر التي تحاط بقدر كبير من التكتم، فيما يعلن المسؤولون الصهاينة عن شلل الموانىء، وفقدان الشعور بالأمن الذي يمنع الحركة التجارية من السير بشكلها الطبيعي في المناطق المستهدفة من أم الرشراش صعودا إلى عمق الأراضي المحتلة.
أما تفعيل الصواريخ والطائرات المسيّرة والقوارب العسكرية والغواصات المسيرة في عمليات استهداف 48 سفينة والحرب البحرية رغم كل عمليات التمويه، فله حسابات أخرى تمتد من المنطقة إلى نظام الهيمنة على منابع الطاقة وممراتها في مستقبل الأيام.
أصبح واضحاً أن ما فعلته الولايات المتحدة ووصيفتها المملكة المتحدة، هو زيادة عدد السفن الموضوعة في المهداف اليمني لا أكثر. فلا هي أفلحت في تحويل المعركة إلى معركة العالم ضد اليمن فيما سمي "تحالف الدفاع عن الإزدهار" لصرف الأنظار عن الجرائم الصهيونية، ولا هي حققت الهدف المضمر من تدخلها السافر، وهو تمكين الكيان الصهيوني من الإستفراد بغزة ، وارتكاب أخطر جرائم الإبادة في تاريخ البشرية من دون "إزعاج" .
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد ولن تتوقف، فالموقع بحد ذاته في البحر الأحمر يخبرنا عن تداعيات أبعد من المنطقة ويمكننا اختصارها بالآتي:
أولا: لقد عمدت الولايات المتحدة إلى تحويل معركة غزة إلى معركة مواجهة مع كل من يفكر بنظام دولي متعدد الأقطاب، فحجم الإجرام وثقل الأطنان التي سحقت شعبا أعزلا وأسرا ونساء ورجالا وأطفالا بلا أي اعتبار للقانون الإنساني الدولي. يعني أن أميركا أرادت من غزة أن تكون رسالة لكل خصومها. مفادها أننا سنتعامل معكم بشريعة الغاب، وبلا قفازات، واللغة الوحيدة التي ستسود بعد الآن هي سياسة توازن القوى لا السلام ولا القانون.
دعك من هذا الكلام السخيف عن الرؤوس الحامية في الكيان الصهيوني، هذه المعركة أمريكية بامتياز، والمفترض بحسب الحسابات الأمريكية الغربية، أن يتسبب حضور البوارج والمدمرات إلى البحر الأحمر "برعدة الخوف" لمن يرى ماذا يحدث في غزة... ولكن العكس تماما هو الذي حصل. فقد فرح اليمنيون بهذه الفرصة لمواجهة الشيطان الاكبر "شخصيا هذه المرة"، وبأعصاب هادئة لم يخرجوا كل ما في جعبتهم من ترسانة عسكرية، وخاضوها مواجهة لم يسبق لها مثيل في معارك البحر منذ الحرب العالمية الثانية.
وتبين أننا لسنا في فيلم هوليودي، فالأمريكي يضرب ويعاني ويعجز عن حماية سفنه الحربية والمدنية، ويطلب تدخل الآخرين بلا جدوى، والسفينة البريطانية تغرق والاساطيل تشاهدها وتتحدث عن أسلحة تستخدم لأول مرة. يعني لن تكون معركة البحر الأحمر استكمالا لصورة الجبار الذي يسحق خصومه بلا خسائر، بل ستكون دليلا على أن وضع حد للتدخلات الأمريكية في المنطقة أمر ممكن ، ومقدمة لا بد منها لكسر شوكة المستكبرين في العالم.
ثانيا: كان الحلم الأمريكي هو التحكم من باب المندب والبحر الأحمر بسلاسل التوريد الآسيوية والصينية بشكل أخص. وإدارة الأمور بحيث يأخذ الممر الهندي حصة وازنة من مبادرة الحزام والطريق الصينية، ولكن تبين أن الأمريكي لن يتمكن من حماية سفنه فضلا عن سفن الآخرين ، بل هو احتاج بالفعل إلى طلب الوساطة الصينية لوقف الهجمات الجريئة للجيش اليمني على سفنه وكافة السفن المتوجهة إلى الكيان الصهيوني. وهذا يعني أن الوضع المستقبلي للبحر الأحمر سيكون أكثر آسيوية بعد سيطرة غربية شبه كاملة عليه منذ الحرب العالمية الثانية.
ثالثا: إن المعادلة الآسيوية الجديدة ستزداد وضوحا كلما زاد استثمار القوى الآسيوية الصاعدة لهذا الإنجاز اليمني، بجرأة غير مسبوقة ، فاليمن فيما أعلنه من تضامن مع غزة الجريحة، قد افتتح بالفعل منظورا جديدا لإدارة منابع الطاقة وممراتها، يرتكز على دفاع الدول المتشاطئة عن سيادتها، على مياهها ومواردها، والاستفادة القصوى من موقعها الجغرافي إقتصاديا، لنشر ازدهار حقيقي هذه المرة.
ويتوقف تسريع هذه العملية على مساهمة فاعلة للدول المستفيدة في آسيا (الصين، ماليزيا، إيران ، باكستان...) في إحقاق الحق في فلسطين، ليكون السلام الناتج عن هزيمة أمريكا والصهيونية ، تحريرا للقانون الإنساني الدولي من منطق القوة الوحشية الذي يعمل الغرب على إرسائه كلغة عالمية انطلاقا من غزة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا