كتابات | آراء

ثقافة السلم بين التقوقع الأيديولوجي والديني

ثقافة السلم بين التقوقع الأيديولوجي والديني

تواجه الأمة العربية والإسلامية اليوم عدة تحديات وعقبات عصيبة في هذه المرحلة الفارقة من تاريخها المعاصر على كافة المستويات التنموية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي يرفع الحداثيون شعاراتها باسم الحريات الشخصية والانطلاق نحو حياة ناعمة دون قيود أو حدود,

وكان آخر وأحدث هذه الظواهر ظاهرة الدعوة إلى المثلية، التي تدعو إلى التفسخ والانسلاخ من كل القيم والمبادئ والتعاليم الدينية.
إنها تحديات ليست بجديدة على الأمة ربما تعود إرهاصاتها الأولى إلى عصور غابرة وهي ليست بجديدة على الأمة وقد أخبرنا القرآن الكريم عنها في كثير من آياته قال عز وجل (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض, ومنهم من أغرقنا وما كان ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" العنكبوت) (40).
فالمعاصي والذنوب ما ظهرت في أمةٍ من الأمم إلاَّ أهلكتها ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها وأغرقتها في الفتن والمحن ومن هنا نُدرك خطورة الاحتراب الفكري والمذهبي والطائفي على الأمة وأفرادها وهذا ما صرف قادة الأمة عن جهود استكمال هويتها وثقافتها الإسلامية، ودفع بها إلى الصراعات والخلافات والمماحكات على استقواء كل طرف بمن يدعمه ويحتضنه ولو على حساب مصلحة الأمة ومصيرها، هذا هو الواقع الذي تعيشه معظم الأمة العربية والإسلامية الآن من المحيط إلى الخليج، لقد غابت أجواء الأمن والتراحم والسلم في المجتمعات العربية والإسلامية عن حقيقة الجسد الواحد المتراحم المتآزر المتعاون على البر والتقوى والإحسان كون هذه القيم والمبادئ من أمهات القيم في سلم المقاصد الشرعية التي تناستها كثير من المجتمعات العربية والإسلامية بسبب الأوضاع المأساوية التي تمرّ بها تلك الدول لأن للمعاصي آثارها الكارثية والمدمرة للأمم والمجتمعات والدول ولها عواقبها في الأنفس والأهل في البر والبحر تفسد بها الأجواء، قال عز وجل: " ومن يهن الله فماله من مكرم" الحج (18).
ومن هنا تتجسد خطورة تلك الآثار الناتجة عن الاحتراب الفكري والديني في عدة أبعاد منها:
درجة العنف غير المسبوق وعدم قبول الرأي الآخر حتى لو كان صائباً.. هذا التقوقع الفكري والتعصب للرأي هو الذي يؤدي إلى الاحتراب الفكري والصراعات المذهبية بين أبناءالأمة.
البعد المكاني الذي يشمل رقعةً واسعةً ومساحاتٍ شاسعةً من البلاد العربية والإسلامية
البعد الزماني حيث استمرار هذه الصراعات والنزعات قد أصبح وكأنه أمر مألوف ومعتاد لا تلوح له نهاية في الأفق.
وأخطر هذه المخاطر البعد الفكري والنفسي الذي يغذي تلك العوامل السابقة, ظهور الأفكار المتشددة المتطرفة والفتاوى الأكثر شذوذاً وتعصباً وهو الذي يقود إلى تمزيق الأمة والمجتمعات إلى فرق متصارعة, وجماعات متناحرة وهناك البعد الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لتشويه صورة الإسلام عالمياً بأنَّ الإسلام دين إرهاب وعنف.
صفوة القول:
الإسلام لا يمثل تلك المجمعات المتصارعة من أجل السلطة أو فرض معتقداتها أياً كانت وإنما الإسلام دين المحبة الإنسانية والتراحم والتسامح الذي أسس لقيم العدل والمساواة والشورى وإعطاء كل ذي حق حقه.
ولذلك لابدّ من تحرير المفاهيم الخاطئة والمعتقدات الباطلة وتصحيح التصورات المغلوطة والرجوع عن تلك الثقافات الناعمة التي أفرزت هذه السموم الناقعة.. هناك حقوق وقيم أساسية كبرى كالحق في الحياة وصون كرامة الإنسان والحرية والمساواة والعدل ولابد من مراعاة ثقافة الاختلاف وإقامة الجسور بين مختلف الشعوب والأمم بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أوالدين.
كلمات مضيئة:
لابد من الرجوع إلى جوهر رسالة الإسلام الخالدة وقراءة المخزون القيمي والمفاهيمي والتاريخي الذي تحتضنه رسالة الإسلام الخالدة لتعزيز ثقافة السلم والتسامح بين شعوب العالم قاطبة وهذا لم ولن يتم إلا بتفاعل وإسهام علماء وحكماء وصفوة النخب المثقفة الواعية والمدركة للأبعاد والآثار الناجمة عن الخلافات المذهبية والصراعات الفكرية أو التنافس السياسي أو الأيديولوجي, ولا شك أن بلوغ هذه الغاية يحتاج إلى مرونة وسلاسة وإبداع في تناول تلك القضايا " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس"

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا