كتابات | آراء

محنة العرب والنموذج اليمني

محنة العرب والنموذج اليمني

لم تقدم الشعوب العربية ما هو متوقع منها لغزة الجريحة، إما لأن الجهات الحاكمة أصلا شريكة للكيان الصهيوني في هذه المذبحة، وتمسك بالأوضاع الداخلية بجهاز الأمن، وجهاز التضليل الإعلامي، وسلاح الحصار الإقتصادي،

أو لأن الشعوب نفسها مشلولة الإرادة، تفتقد للقيادات التاريخية التي تمثل إرادتها وتحركها من داخل ثقافتها لا من دوائر المخابرات العالمية.
وليس صحيحا على الإطلاق كما شرحنا في مقالة حصار الإسلام الاطلسي لغزة، أن مشروع الإخوان المسلمين سيقوى بانتصار غزة، لأن معظم الإخوان وممثليهم في المعسكر الآخر الذي يراهن على الدعم الأمريكي لحكم العالم العربي... فما هي المشكلة بالضبط؟
أولاً: حكم الجيوش
لقد كلفت الجيوش في العالم الإسلامي بحراسة التبعية، وتخريج المستبدين، بل والحرص على بقاء الشعوب العربية متخلفة سياسيا واقتصاديا. لعب الجيش التركي دورا بارزا في الدفاع عن العلمانية والتغريب، وأجهض تجربة رائدة للمفكر الإسلامي نجم الدين أربكان، وتحول الجيش المصري إلى جماعة من رجال الأعمال بعد اتفاقية كامب ديفيد، ولم يثبت أي جدارة في إدارة الشأن العام ولا في الدفاع عن المصالح المصرية الحيوية، سواء في أزمة سد النهضة، أو في معالجة الأزمات الإقتصادية المتتالية، والتي يتم إعطاؤها حبوب مسكنة ببيع الجزر والأراضي المصرية لدول الخليج. أما الجيش الباكستاني فكان ولا يزال يمنع ظهور نظام ديمقراطي حقيقي، ويرعى حركة طالبان التي قدمت صورة متخلفة عن الحكم في الإسلام بعد الإنسحاب الأمريكي. هذا فضلا عن أزمة الحريات والخوف من المفكرين والمثقفين الوطنيين.
في المقابل نجد أن الجيش اليمني قد اتحد مع اللجان الشعبية، وأفلح في الدفاع عن مصالح اليمن وحدودها، في مقابل عدوان دولي سمى نفسه "عاصفة الحزم"، وهو مجرد فرصة لاستنزاف المال الخليجي، وتركه يتدفق في خزانة الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا من دون أي نتيجة تذكر. إلا الدمار والخراب وقمع التجربة اليمنية ومنع نموها السريع.
في الأصل وإذا عدنا إلى المجتمع الإسلامي فإن الجيوش الحديثة ليست ظاهرة إسلامية، في المجتمع الإسلامي يعتبر الدفاع عن الأمة مهمة كل من يتمكن من القتال، كما يحدث الآن في اليمن. وحتى لو سلمنا بأهمية الإختصاص مع تطور الأسلحة واساليب الحرب، فإن الإسلام لا يربي الجنود والضباط على هذا الإستعلاء على الشعب كما تربى جيوش الدول العربية، التي يتم إشعارها بأنها فوق الناس، بمسابح ونوادي خاصة وامتيازات لا لشيء إلا لأنك في الجيش.
لقد أريد للجيوش أن تكون دولة الغرب العميقة في البلاد الإسلامية، ونخبة السلطة الحقيقية التي تربى في المعاهد الغربية، وترجع إلى بلادها محملة بشعور سيء تجاه بلدها ومواطنيها. نتيجة خبرات مخابراتية تنظر إلى مجتمعها من أسوأ الزوايا وتدعي تمايزا وهميا عن بقية النخب الطليعية في الأمة.
فيما نشعر اليوم بانبثاق الجيش اليمني من صفوف الشعب بالفعل وغياب الحدود والسدود بينه وبين الناس الذين يبدون استعدادا لا مثيل له في العالم للتحول إلى مقاتلين على الجبهات عندما يدعو الواجب.
ثانيًا: الحاجة إلى نخب ثورية
لن تقوم ثورات فاعلة وطنية تمثل الإرادة الشعبية إذا لم تتحرك النخب العلمائية والثقافية بدون خوف وحسابات ذاتية، لتهدد العروش وتنظم الناس، وتحدد لهم مشروعا وتقيم لهم نظاما منبثقا من ثقافتهم ولو استفاد من التجارب الرائدة في الحكم.
النخب العربية غارقة في ذاتيتها، والعلماء إما تم تعيينهم من قبل السلطة السياسية لتبجيلها، أو أنهم يخافون على امتيازاتهم، ونمط حياتهم المرفه.. ومكانتهم الإجتماعية التي بنيت عبر المداراة وكتمان العلم والجبن عن المواجهة إلا ما رحم ربي.
وكل حراك شعبي لا يملك قيادة واضحة فقيادته المخابرات من خارج الحدود، وكل ثورة سلمية تتحول إلى السلاح في الداخل هي ثورة تدمير وليست ثورة تعمير، فالعالم العربي يعاني اليوم من غياب النماذج الثورية والنموذج الثوري وقد منع بإعلام المستبدين وتضليلهم من الإستفادة من التجربتين اليمنية والإيرانية.
في المقابل انطلق اليمن بثقافة قرآنية جامعة، ومسيرة قرآنية إنسانية، وقدم القيادة الشجاعة المستعدة للشهادة في أي ظرف، ووقف العلماء مع الناس، وحمل المفتي اليمني سلاحه، وشارك في دورات التدريب... هذه مشاهد لم يألفها عرب التغريب، وجيوش الإستبداد، وشعوب الترفيه... فإلى متى تترك حفنة من العملاء تتحكم بمصير أمة، وإلى متى يذل المسلم في غزة بلقمة عيشه، والشعوب تكتفي بالمشاهدة بدل المشاركة في رفع الظلم وهزيمة الإحتلال...
هؤلاء الذين أطلقوا "طوفان الأقصى" مدرسة خاصة من المجاهدين، هي بالتأكيد أرقى من حسابات الإخوان في بقية العالم الإسلامي، إنهم مشاريع شهداء وليسو مشاريع سلطة، فإلى متى نشاهد ولا نشارك، نبكي ولا نقوم.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا