كتابات | آراء

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد« 35»

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد« 35»

من الأمور الملاحظة في التسلسل التاريخي لليمن الحديث أنه لم يكن هنالك أي محاولات لإلغاء القبلية في حد ذاتها ولكن كانت هناك محاولات من بعض الأشخاص في ربط الممارسة القبلية بالجهل وعدم التقدم وبالتالي مع عدم التمسك بالدين قد يبدو هذا مفاجئًا

ولكن يبدو الأمر كما لو أن هذا الاعتقاد قد ساد في فترة من الزمن واعتبره البعض نوع من الابتلاء أو قضاء الله وقدره في المنطقة في الواقع لم يكن هناك سوى القبائل والقانون القبلي متاح للناس في تلك الفترة كما أن الإمامة لم تمتلك الوسائل اللازمة للتغيير على نطاق واسع لم يستنسخ الأئمة يحيى حميد الدين 1984-1904)م) وأحمد (1962-1948م) المحاكم والجيوش المعقدة للقاسميين الأوائل بل كانوا رجالًا مقتصدين أشرفوا شخصيًا حتى على الأمور المحلية الصغيرة وأداروا إداراتهم بأشكال القوة المتاحة لهم وعلى مدى العقود التالية قاموا ببناء جيش تدريجيًا وكان ضباطه في النهاية جزءًا من تدمير الإمامة ، لكن القبائل ظلت القوة الأقوى ودائمًا ما كانت مجزأة بعناية بسبب سياسة حكامها وكان الهدف هو إقامة الشريعة النقية وهو ما يعني كما هو الحال في معظم الدول الإسلامية ما قبل البيروقراطية في المقام الأول جمع الزكاة أو الضريبة القانونية والاحتفاظ بقدر من النظام وبشكل عام كان الشمال الزيدي القبلي يحكمه حكم غير مباشر مع تقديم الإعانات للزعماء وكان الجنوب الشافعي أقل حظاً في خضوعه للحكم المباشر من قبل مسؤولين حكوميين يعملون بالتنسيق مع الزعماء المحليين وفي كلا المنطقتين حصل الزعماء على جزء من الضريبة التي كان من مسؤوليتهم تحصيلها يُقال أحيانًا أن هذا كان ربع الإجمالي بالنسبة للشماليين والعُشر بالنسبة للجنوب لكن التفاصيل في الشمال كانت في الواقع غير منتظمة على سبيل المثال يقال إن زعماء قبائل حاشد حصلوا على ربع ضرائب العصيمات حتى وفاة الإمام يحيى عام 1948م ولكن عُشره فقط بعد ذلك أما مشايخ الغولة فكانوا من الأوائل في عيال سريح الذين قاوموا الإمام في البداية قد حصلوا على العشر فقط ومن قاوم أكثر فله الربع ولم ترتفع رواتبهم إلى الربع إلا في زمن الإمام أحمد ولفرض هذا النظام تم نشر العديد من رجال القبائل في أماكن أخرى من اليمن إلى الغرب أو الجنوب وتمركزوا في مجموعات من ثلاثة أو أربعة مع العامل المحلي أو محافظ المنطقة وقد نشأ شكل من أشكال الفساد الصغير الذي لم يختف تماما في أيامنا هذه عندما يتم إرسال رجال القبائل هؤلاء في مهام تنفيذية لإحضار شخص ما إلى المحكمة أو لحضور، مسؤولي الإمام كانوا يتقاضون من سجنائهم ريالاً عن كل رأس مقابل جهودهم وأصبحت ممارسة أوامر البيع منتشرة على نطاق واسع فكان المسؤول يبيع لرجل القبيلة وظيفة إحضار شخص ما ويحقق رجل القبيلة ربحًا عن طريق فرض رسوم على السجين وبدأ رجال القبائل الشمالية في الارتباط بمسؤولين في الغرب والجنوب دون أي تعيين من قبل الدولة ولكن كمرافقين أو كرجال شرطة مستقلين ومُحضرين، انجرف العديد من الرجال من الشمال إلى الجنوب والغرب بهذه الطريقة وبقوا هناك بشكل دائم وفي الشمال نفسه تم دعم نظرية الشريعة الإسلامية ضد العادات القبلية بقوة في زمن الإمام يحيى قيل أن مجرد امتلاك الشخص لكتاب الطاغوت يعاقب عليه بالإعدام وكانت بعض الممارسات والتشريعات في كثير من الأحيان أكثر غموضا خصوصا مع استخدام المؤسسات القبلية كضمان للحفاظ على الإدارة الزيدية لكن الأعمال المستقلة واسعة النطاق التي قامت بها المجموعات القبلية تم قمعها بشكل شبه كامل ، لقد تم القمع على وجه التحديد من خلال زعماء القبائل التي يعتمد عليهم الإمام في الحفاظ على الأمن والاستقرار وكان عدم التوازن بين القبائل يتم الحفاظ عليه إلى حد كبير من قبل الأئمة كما كان ترتيب صلاحياتهم من مسؤولية الإمام أيضا لكن الإمام أحمد طلب أن يبقى الأهم منهم ضيوفًا في عاصمته تعز على سبيل المثال أبقى منزلاً مفتوحاً للضيوف المهمين في تعز وكان يصرف عليه 50أو 60عملة فضية أسبوعياً من قبل الإمام لدعم ذلك وكان كثير من المشايخ الكبار الآخرون تحت أنظار الإمام أحمد وتم احتجاز الرهائن من عائلاتهم بأعداد كبيرة في حين كان الإمام في صنعاء أو في قلاع بعيدة عن أراضيهم وتميزت هذه الفترة بالهدوء والأمن والاستقرار وهذا ما يتذكره كل من عاش تلك الفترة وأصبح في الواقع مضرب المثل حيث كانت الطرق آمنة لدرجة أن المسافر من الجوف إلى مأرب لم يكن يحتاج إلا إلى مرافق واحد فقط مع أن المسافة كانت تستغرق حوالي ستة أيام وكان لا يمكن قطع هذه المسافة إلا بأفواج كثيرة مسلحة قبل هذه الفترة أو بعدها ولم يكن بإمكان الحكومة جلب المنشقين أو جمع الضرائب من هذه المناطق إلا عن طريق إرسال جيش قوي من القوات لكن الإمام كان بإمكانه إرسال جندي منفرد يحمل على كتفه باشلي وهي بندقية إيطالية قديمة وزوجين من الخراطيش لإحضار من يشاء ولم يكن على الجندي إلا أن يذكرهم بأن ورائي الإمام أحمد في الواقع كانت شؤون القبائل مجمدة لأكثر من جيل وكذلك شؤون اليمن معهم وهناك حكايات قليلة عن تلك الفترة على الإطلاق من قبل رجال القبائل باستثناء تلك التي تتعلق بحنكة ودهاء الإمام.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا