الصفحة الإقتصادية

الدولار الجمركي أداة حرب مكشوفة

الدولار الجمركي أداة حرب مكشوفة

كتب/ رشيد الحداد #
تكشف الأرقام المعلنة من قبل حكومة الارتزاق في عدن ، بأن لا وجود لأي ذريعة منطقية تتيح لها أن تتخذ حزمة قرارات اقتصادية كارثية تعد بتداعياتها على حياة الملايين من اليمنيين وخاصة من يعيشون خارج سيطرة صنعاء بمثابة إعلان حرب مفتوحة علي ما تبقى لهم من هامش للعيش الكريم.

فبعد انهيار سعر صرف العملة المطبوعة الاسبوع قبل الماضي ، جراء عمليات الاستنزاف الكبرى التي تتعرض لها العملات الصعبة من الأسواق الجنوبية من قبل مسؤولين في تلك الحكومة ومن قبل تلك الحكومة التي تصرف رواتب الألاف من كبار موظفيها المتواجدين في الخارج بالدولار ، وتقوم بسحب نحو ٩٠ مليون دولار شهرياً منها ٤٠ مليون دولار تصرف كرواتب وامتيازات على ثلة من المنتفعين ، ونحو ٥٠ مليون دولار يتم انفاقها على سفاراتها التي تعاني من حالة تضخم مفرط تعكس حالة الفساد الأكبر في السفارات والملحقيات المختلفة التي تؤكد جسام  الاستغلال البشع لتلك الحكومة وكبار موظفيها  للوضع الذي تعيشه اليمن ، وعوضاً عن وقف النهب المنظم للثروة ووقف استنزاف العملات الصعبة من الأسواق،  اتجهت تلك الحكومة إلى فرض عقوبات جماعية على شعباً بأكمله من خلال اقرارها رفع سعر صرف الدولار الجمركي من ٥٠٠ ريال إلى ٧٥٠ ريال، وكذلك قيامها برفع سعر اللتر للبترول المحلي صافر الخفيف في مأرب من ١٧٥ ريالاً إلى ٤٧٥ ريالاً للتر الواحد ليصل إلى نفس السعر العالمي، وكذلك رفعت أسعار الغاز في مأرب واقرت رفع تعرفة النقل الثقيل بنسبة ٤٠%.  
وهذا البحث عن أسباب ودوافع تلك القرارات الانتهازية سنجد أن تلك الحكومة التي تعيش حالة صراعية وكذلك مجلس العمالة والارتزاق الذي يعيش نفس الوضع الصراعي اقرار تلك الإجراءات دون اكتراث لأي تداعيات لها على الوضع الإنساني،  ودون مقابل ايضاً فالمتعارف عليه أن الحكومات تلجأ إلى تحريك الدولار الجمركي في حال العجز الكبير في ميزانيتها، وقل أن تفكر في إجراء كهذا تدرس القرار من مختلف الجوانب،  وتحاول أن تجيب عن تساؤلات مهمة منها ما مدى الآثار الايجابية والسلبية ، وهل الوضع المعيشي للمواطنين يسمح باتخاذ قرار كهذا ، وما مدى انعكاس اي قرارات كرفع الجمارك على أسعار السلع والمنتجات وعلى الحركة التجارية في السوق اليمني وعلى قدرات الناس الشرائية ، والكثير من الدول قبل أن تفكر في اتخاذ قرارات تضاعف مستوي الجبرية على المواطنين تعلن عن رفع مرتبات الموظفين وتضيف الملايين من المواطنين إلى قائمة الاعانات التي تقدمها للمجتمع للحد من اي آثار سلبية على المجتمع لقرارات كرفع تعرفة الجمارك أو الضرائب ، باستثناء حكومة السفير السعودي المقيمة في الرياض ، التي تتخذ قرارات مميتة بحق اليمنيين دون اكتراث لأي  تداعيات ناتجة عنها ،  كونها لا تمس مصالح قادتها .
هذه القرارات التي استهدفت ما تبقى من هامش ضيق للعيش الكريم للمواطنين،  جاءت بعد نحو شهر من إقرار حكومة المرتزقة قرار قضى برفع ضرائب تحت الحساب على السلع والبضائع المستوردة بنسب غير مسبوقة تباين بين ٣٠٠% و ٥٠٠% من إجمالي قيمة البيان والرسوم الجمركية ، بجرة قلم من قبل وزير ماليتها دون الرجوع إلى مجلس النواب خاصة وأن الضرائب لا تفرض الا بقانون ولا ترفع أو تخفض أو تلغى الا بقانون ، كونها تضاعف الاعباء على المجتمع وتحدث حالة عدم توازن في السوق المحلي .
هذه القرارات الكارثية لم تكن ناتجة عن عجز مالي بل عن تخمة مالية وعن فساد مالي كبير،  فالتقارير الصادرة عن تلك الحكومة تؤكد أن مستوى ايراداتها أكبر مما كان يتوقع، فخلال النصف الأول من العام الماضي، ارتفعت إيرادات تلك الحكومة بنسبة ٣٥١.٥ %، عن إيرادات النصف الأول من العام ٢٠٢١م، كما ارتفعت إيرادات الضرائب والجمارك بنسب تتفاوت ما بين ٢٣٠% إلى  ٣٢٠%، تلك الأرقام تصاعدت بشكل غير مسبوق لتحقق الضرائب والجمارك  لوحدها ما بين  تريليون ريال و١.٥ تريليون ريال ، ورغم ضخمة هذه الأرقام المعلنة ، الا أنها تمثل الحد الأدنى من إجمالي الإيرادات الفعلية المحققة .
واللافت في الأمر، أن توجه الحكومة الموالية لدول العدوان نحو سياسة التجويع والتجريع، وإصرارها على تحميل المواطن البسيط تبعات فسادها الإداري والمالي حققت إيرادات بلغت ٣،٢ تريليون ريال العام ٢٠٢٢م، وابرمت عدة اتفاقات مع صندوق النقد العربي للحصول على قرض غير مشروع بقيمة مليار دولار وكذلك إعلانها قبل انتهاء العام حصولها على ١.١ مليار درهم إماراتي من دولة الإمارات المواليه لها بقيمة تتجاوز ٣٠٠ مليون دولار ، وقبل ذلك وقعت على اتفاقية مع الموالين لها في الرياض للحصول على شحنات كهرباء بقيمة ٢٠٠ مليون دولار ، ليس ذلك وحسب بل استحوذت بدعم من قبل دول العدوان على حقوق وحدات الدعم الخاصة باليمن التي قدمها البنك الدولي والتي بلغت ٤٢٠ مليون دولار ، ورغم ذلك ادعت العجز والافلاس امام المجتمع الدولي في غضون أيام محاولة بذلك التهرب المسبق عن الموافقة على مطالب القوى الوطنية في صنعاء وإلى جانبها الشعب اليمني بصرف مرتبات موظفي الدولة ، وهو مطلب حاولت تلك الحكومة المشكلة من دول العدوان التهرب منه منذ مطلع العام ٢٠١٧م ، وحتى اليوم وبنفس الذريعة متناسية أن دورها الخدمي شبة عدمي في المحافظات الجنوبية والشرقية ، خاصة وأن مأرب خارجة عن كل الحسابات الحكومية نظراً لسيطرة حزب الإصلاح على إيرادات نفط وغاز مأرب بشكل كلي .
تلك الحكومة التي بلغ متوسط الإعانات الاجتماعية التي أعلنت عن تقديمها دون تحديد المستفيدين منها 65 مليار ريال شهرياً وفقاً  للتقارير الرسمية الصادرة عنها، بمعدل سنوي تراكمي بلغ ٧٨٠ مليار ريال، أي بما يساوي 75%، من احتياج الباب الاول المرتبات وفق كشوفات 2014م، والمشكلة ليست في ضخامة الأموال التي أنفقت كنفقات واعانات باسم المجتمع، بل بأن المجتمع في المحافظات الجنوبية يعيش أسوأ وضع إنساني في تاريخه بسبب تراجع القدرات الشرائية وتدني مستويات الدخل مقابل عدم استقرار العملة في المحافظات الجنوبية وارتفاع الأسعار بصورة شبة يومية ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية للسواد الاعظم من اليمنيين في تلك المحافظات ولم يتلقى أي اعانات من تلك الحكومة .
وان كان فساد وفشل تلك الحكومة مكشوف للعيان ، فإنها لا تكترث لاي ردة فعل شعبية ، كونها تنفذ سياسيات دول العدوان الاقتصادية ضد الشعب اليمني ، كونها مشكلة من دول العدوان وسياساتها تمثل العدوان وتتكئ  على تلك الدول في فرض مثل هذه الإجراءات الكارثية التي أضحت أداة من أدوات الحرب الاقتصادية الممنهجة ضد اليمنيين، فبسبب إغلاق ميناء الحديدة ومنع دخول مئات السلع إلى الميناء المحلي الذي كان يستقبل ٧٠%، من الواردات التي تصل البلاد، وفرض دول العدوان على سفن الحاويات الاتجاه نحو موانئ عدن والموانئ الأخرى وقيامها بتحويل مسار السفن إلى ميناء جدة بغرض تفتيشها، ومن ثم فرض نقل الشحنات التجارية من ميناء جدة إلى الموانئ الواقعة في المحافظات الجنوبية، امعنت حكومة الارتزاق على فرض المزيد من الإتاوات وفرضت المزيد من الضرائب والجمارك، وهو ما دفع بالتجار في أعقاب قيام تلك الحكومة برفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 100% في يوليو 2021م، إلى تحويل مسار الحاويات والشحنات التجارية إلى ميناء صلالة والعزوف عن الاستيراد عبر موانئ عدن ، وما نراه مناسباً الان أن يتم تحويل مسار سفن الحاويات إلى ميناء الحديدة في حال تعرضها الاحتجاز فاي غرامات تأخير لن تساوي الإتاوات التي يتم فرضها من قبل المرتزقة في الطرقات الرابطة بين عدن والمحافظات الحرة وكذلك الرسوم المضاعفة للضرائب والجمارك..
القرار في هذا الجانب بيد القطاع الخاص وتحويل مسار الحاويات إلى ميناء الحديدة سيوفر الكثير من المال والكثير من الجهد وسيخفض التكلفة النهائية للمنتجات والسلع بنسبة لا تقل عن 30% ، من قيمتها ، واثق بأن كسر الحصار لن يكون مهمة القطاع الخاص وانما سيقف الشعب اليمني برمته إلى جانب التاجر وكذلك ستقف معه القوات المسلحة بمختلف وحداتها .
فلا يوجد ما يبرر تحويل مسار الشحنات التجارية وسفن الحاويات إلى الموانئ المحتلة ،وحتى القرار الدولي رقم 2216, لم يمنح دول العدوان حق تفتيش السفن التجارية واحتجازها في ميناء جدة والتحكم بمسارها.
فتحويل مسار سفن الحاويات إلى موانئ مؤسسة البحر الأحمر يعد أفضل الخيارات المتاحة حالياً،  لمواجهة هذه القرارات الكارثية التي يحاول من خلالها المرتزقة نقل التضخم في المعدل العام للأسعار من عدن إلى صنعاء.
# كاتب .. وخبير اقتصادي  

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا