الصفحة الإقتصادية

عدن في ظل الاحتلال الجديد

عدن في ظل الاحتلال الجديد

رشيد الحداد /


عمدت دول العدوان الى تجفيف مصادر الدخل الخاصة بالبنك المركزي
قبل نقل وظائف البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن بإيعاز امريكي وبموافقة اللجنة الرباعية الدولية التي تضم "السعودية والإمارات وامريكا وبريطانيا"،

كانت إيرادات المحافظات الجنوبية ومحافظة مأرب تغذي الموازنة العامة للدولة بنحو 70%، من احتياجاتها المالية، وفي إطار الحرب الاقتصادية التي وقفت وراءها دول العدوان السعودي الأمريكي تم استغلال الفجوة الكبيرة في الموارد العامة بين المحافظات الشمالية والجنوبية لتحقيق اختراقات في الجانب الاقتصادي، وبناء على تلك الحسابات الاقتصادية والعسكرية أيضاً عمدت دول العدوان الى تجفيف مصادر الدخل الخاصة بالبنك المركزي واوقفت كافة موارده قبل أن يتم نقل وظائفه من صنعاء إلى عدن أواخر، سبتمبر من العام 2016م، حينها توقع محافظ بنك عدن المعين من قبل العدوان، منصر القعيطي، أن يسهم القرار في تعزيز سعر صرف العملة وفي تمكين حكومة المرتزقة من القيام بدورها في تحسين الخدمات، وفي تحقيق مكاسب عسكرية واقتصادية في مناطق سيطرة صنعاء، وتعهد الرئيس الفار عبدربه منصور هادي، أمام الأمم المتحدة، بان تقوم تلك الحكومة بصرف رواتب كافة موظفي الدولة كما كان البنك المركزي في صنعاء دون تغيير، ولكن بعد ثماني سنوات من نقل وظائف البنك تعيش مدينة عدن والمدن الساحلية الجنوبية دون كهرباء ودون خدمات ويواصل سعر صرف العملة في تلك المحافظات الانهيار دون توقف، وفي مقابل ذلك انحسرت قدرات المواطنين الشرائية أمام موجات الغلاء اللاهبة التي انهكت المواطنين وحولت حياتهم إلى جحيم، هذه النتائج الكارثية لا علاقة لها باستمرار الصراع من عدمه، بل نتيجة لحرب اقتصادية تدار من قبل دول العدوان السعودي الأمريكي بشكل ممنهج لم تستثن احدا من اليمنيين أكانوا في شمال هذا الوطن أو في جنوبه، والهدف من ذلك وضع المزيد من التعقيدات أمام اي مساعي إقليمية ودولية لإنهاء حالة الانقسام المالي والنقدي بين صنعاء وعدن في المستقبل، وإنهاك ما تبقى من حيوية للاقتصاد اليمني بعد أن استهدف العدو البنية التحتية للاقتصاد الوطني بشكل مباشر معتمدا على القصف الجوي أكان في شمال الوطن أو جنوبه خلال الأعوام السابقة من العدوان، يضاف إلى أن العدو استبدل تجربته في استخدام  الآلاف من المرتزقة الأجانب في عدوانه على اليمن خلال السنوات الأولى للعدوان بآخرين محليين، وعمل على استخدام سياسة الافقار والتجويع المتعمد كوسيلة لدفع الآلاف من شباب الجنوب للالتحاق بالتجنيد مستغلاً مظلومية الجنوب السابقة الناتجة عن حرب صيف ١٩٩٤م، وتحت شعارات ووعود إعادة التاريخ الى ما قبل ٢٢ مايو، تم استقطاب وخداع عشرات الآلاف من الشباب الجنوبي الذين يستخدمهم وقود حرب في معارك عبثية لا علاقة للجنوب ولا بقضيته ولا مظلومية أبنائه من نظام ٧/٧، بل تعامل مع أولئك الضحايا الكثر كمرتزفة محليين بأقل كلفة ودون التزامات كبيرة عليه خلافاً المرتزقة الأجانب، ولان دول العدوان وخاصة السعودية والإمارات ما تمتلكه من قوات لا ترقى إلى مستوى الجيوش، ولا تؤهلها لأن تنفذ ادوارا اكبر من قدراتها العسكرية حتى وإن كان بإيعاز أمريكي إسرائيلي، عمدت على إنشاء مليشيات مسلحة في المحافظات الجنوبية مستخدمة الإغراءات المالية من جانب، ومستغلة ظروف المجتمع القاهرة الناتجة عن سياسة الإفقار والتجويع التي تديرها، لينتج عن ذلك ملشنة الجنوب ونهب ثرواتها وتدمير مقدراتها الاقتصادية والخدمية، وعبر أدواتها المحليين فرضت حالة حرب على سكان المحافظات الجنوبية الخارجة عن الصراع، والملاحظ أن دول العدوان استخدمت خلال السنوات ٢٠١٥- ٢٠١٧م، سياسة الرعب والترهيب لفرض وجودها بالقوة، ونفذت سلسلة اغتيالات طالت خطباء وائمة المساجد في مدينة عدن وكل من يرفض وجودها العسكري في تلك المحافظات، وتزامن ذلك مع إنشاء دول العدوان والاحتلال نحو ٢٦ سجناً سرياً في المحافظات الجنوبية استخدمت فيها ابشع انواع الانتهاكات الجسيمة بحق المعتقلين من قبل مليشياتها وكان نصيب عدن لوحدها نحو ١١سجناً سرياً أبرزهم سجن بئر علي وسجن جبل حديد وسجون أخرى في لحج وحضرموت وخاصة سجن مطار الريان، وتوازياً مع تلك السياسيات الإجرامية التي وضعت دول العدوان في قائمة منتهكي حقوق الإنسان في العالم خلال الفترة ٢٠١٩- ٢٠٢٠م، وأقدمت على تعطيل الموانئ والمطارات والقطاعات الحكومية الإنتاجية، ولم تكتف بذلك بل أعادت النظر في الحكومات السابقة العميلة لها، وتقاسمت دول العدوان السعودي- الإماراتي ، النفوذ في أوساط حكومة المرتزقة، بعد أن كانت محتكرة على الرياض دخلت ابو ظبي بشراكة المناصفة وفقاً لإتفاق "الرياض" الموقع في الخامس من نوفمبر ٢٠١٩م، وفي ظل مساعي دول العدوان لشرعنة المليشيات المسلحة التابعة لها اتفقت على الاطاحة بالرئيس الفار عبدربه منصور هادي، بعد أن وضعته لسنوات تحت الإقامة الجبرية في "الرياض"، في الثاني من ابريل ٢٠٢٢م، لتقوم بتعيين مجلس رئاسي عميل مكونة من ثمانية اشخاص معظمهم قادة مليشيات تابعين لها، ولهم سيطرة مليشياوية على الأرض، وكان الهدف تنفيذ الأجندات والمؤامرات التي تستهدف السيادة والاستقلال الوطني.
تلك المطامع والمخططات التآمرية التي فشلت البعض منها على تنفيذها على مدى الـ٦٠ عاما الماضية، كالمطامع السعودية في السيطرة على المحافظات الجنوبية الشرقية اليمنية الغنية بالنفط "حضرموت والمهرة وشبوة" التي تعود إلى مطلع ستينات القرن الماضي، وكادت أن تعيد إنتاج مؤامرة ما يسمى "بالاتحاد الشرقي" تحت مسمى "إقليم حضرموت" قبل العدوان، وبالمثل كان موقف الامارات من نشاط وموقع وحيوية موانئ عدن منذ العام ٢٠٠٦م، واضحة وتم إنهاء عقد تأجير الميناء العالمي لدبي الإماراتية عام ٢٠١٣م، بضغوط شعبية بعد أن تبين أن الهدف تدمير الميناء وليس تطويره حسب الاتفاق، لذلك كان ولايزال هدف الامارات تدمير الموانئ اليمنية المنافسة لموانئها وهو ما يحدث منذ سنوات، وفي هذا الإطار عادت الأطماع الأمريكية في إيجاد موطئ قدم لها في السواحل الغربية والشرقية لليمن، وكذلك الحفاظ على مكاسبها غير المشروعة في المجال النفط والغاز اليمني وخاصة في محافظتي شبوة وحضرموت، وعلى ذات النهج كشفت تحركات السفير الفرنسي والسفير البريطاني إلى جانب الأمريكي الذي يقود الحرب الاقتصادية على شعبنا، بان مصالح ومطامع تلك الدول الثلاث في اليمن كانت كبيرة، ويخشون من سيطرة أي قوى وطنية تحررية على منابع النفط والغاز، لذلك كان موقف تلك الدول الناهبة الثلاث من قرار وقف تصدير النفط الخام اليمني المنهوب الصادر في أكتوبر من العام الماضي لافتاً، يعكس حجم المصالح الأمريكية الفرنسية البريطانية المتضررة من قرار حماية الثروات الطبيعية اليمنية الصادر عن صنعاء.
والملاحظ، أن الموقف الأمريكي المناهض لمطالب صنعاء المشروعة في صرف رواتب موظفي الدولة وتحسين مستوى الخدمات في المحافظات من عائدات مبيعات النفط والغاز اليمني، يزداد تطرفاً من فترة لأخرى، حتى وصل الأمر بواشنطن إلى أنها قدمت نفسها خصماً رئيسياً لموظفي الدولة الذين يعانون من ظروف إنسانية قاهرة نتيجة توقف مصادر دخلهم الرئيسة منذ ثمانية أعوام، وفي إطار تلك المساعي الأمريكية العدائية لليمنيين استخدمت خلال الأشهر الماضية جل ثقلها الدبلوماسي على كافة المستويات لإفشال أي تقدم ينهي معاناة موظفي الدولة وفقاً لكشوفات العام ٢٠١٤م، وخاصة بعد تفاهمات رمضان بين الجانب الوطني في صنعاء والجانب السعودي، فأمريكا التي لاتزال تتحكم بمنابع النفط والغاز في القطاعات النفطية الإنتاجية الغنية في محافظة شبوة، رغم انتهاء عقود الشراكة الموقعة بين الحكومة اليمنية وشركة هنت الأمريكية في نوفمبر " ٢٠٠٥م" رسمياً، بعد فشل واشنطن في تمرير اتفاقية تمديد العقود خمس سنوات إضافية في مجلس النواب منتصف العام نفسه، وبغض النظر عن كمية انتاج النفط المعلن خلال السنوات الماضية وكذلك الغاز المسال، فإن الموقف الأمريكي المتطرف تجاه معادلة صرف المرتبات من عائدات النفط والغاز اليمنية كثروة سيادية يثير الشكوك ويرفع سقف التوقعات بأن مصالح أمريكا وفرنسا الخفية من النفط والغاز اليمني المنهوب اكبر من كل التوقعات، واشنطن لن تسيطر على ميناء الضبة النفطي الواقع على بعد ١٠ كيلو من مقر قواتها الاستعمارية في ميناء الريان في حضرموت دون مصالح تستدعي استخدام قواتها البحرية، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية تكررت زيارة دبلوماسيين أمريكيين إلى المكلا والى ميناء بلحاف الغازي في شبوة، ووصل الحال بسفير واشنطن ومبعوثها لليمن، تيم لينيدر كينيج، باستخدام ورقة الانفصال ودفع المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات إلى الاعتراض على اي اتفاق قد ينهي معاناة موظفي الدولة، وللمرة الثانية بعد زيارة قام بها السفير الأمريكي، ستيفن فاجن الشهر قبل الماضي، إلى مدينة عدن، وكذلك لقاءاته المتكررة مع قيادات في الانتقالي، كان الهدف منها تنسيق المواقف المناهضة لأي اتفاق يقضي بإعادة إنتاج النفط من محافظات شبوة وحضرموت مقابل صرف المرتبات.
ومع انتقال دول العدوان والاحتلال والدول التي تقف وراءها كأمريكا وفرنسا وبريطانيا إلى مرحلة تقاسم النفوذ والمصالح في المحافظات الجنوبية اتجهت نحو سياسة التجويع وتصعيد حرب الخدمات، لصرف أنظار المواطنين في المحافظات الجنوبية وتشتيت اهتماماتهم عن المخططات التآمرية والمطامع الأجنبية بالثروة والجغرافيا في المحافظات الجنوبية من جزيرة سقطرى وحتى عدن و باب المندب، وعلى سبيل المثال كان ما يسمى ببرنامج إعادة الإعمار السعودي الذي يشرف عليه سفير المملكة، محمد ال جابر، يتولى مهمة شراء الوقود لمحطات كهرباء عدن كل عام منذ سنوات، ولم يكن ذلك دون مقابل بل كان دوره كمنسق بين شركة أرامكو وكهرباء عدن، وكان هناك حساب مشترك لإيرادات الكهرباء يدار بالشراكة مع البرنامج السعودي، هذا العام تخلى البرنامج عن تزويد كهرباء عدن بالوقود، رغم أنه المخول من قبل قيادة السعودية في إدارة المنحة المالية المعلنة الشهر الماضي بقيمة ١.٢ مليار دولار، وكذلك محاولات حكومة المرتزقة فشلت في إقناع صندوق النقد العربي في منحها حق سحب دفعة ثانية من المنحة المعلنة أواخر العام الماضي بقيمة مليار دولار، وذلك لتأمين وقود الكهرباء في مدينة عدن والمحافظات الأخرى، وهو ما يدل على أن الأزمات التي تعانيها مدينة عدن وخاصة أزمة الكهرباء المتصاعدة في الصيف الجاري شديد الحرارة نتيجة لحرب الخدمات المفتعلة من قبل العدوان والحكومة الموالية له.
ختاماً: ما تعانيه المحافظات الجنوبية من انهيار في الخدمات وعلى رأس ذلك الكهرباء، نتيجة طبيعية لسياسات دول الاحتلال والعدوان، والرد برفض بقاء كل ماله علاقة بدول الغزو والاحتلال من حكومة عميلة ومليشيات موالية للرياض وأبوظبي وأي قوات أجنبية، فالمحافظات الجنوبية ثرواتها غنية عن التعريف، ولكنها تدفع ثمن الاحتلال، فأزمة الكهرباء التي تشهدها مدينة عدن لم يسبق لها أن عانت منها منذ ستين عاماً، إلا في عهد الاحتلال السعودي الإماراتي الأمريكي الجديد.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا