ملف الأسبوع

طوفان الأقصى.. أفق المقاومة الاسلامية وأبعاد المؤامرة عليها (3)

طوفان الأقصى.. أفق المقاومة الاسلامية وأبعاد المؤامرة عليها (3)

عميد ركن/ عابد محمد الثور*/

ليس من السهل على أي باحث أو مهتم بالشأن العسكري أن يقرأ الأبعاد العسكرية لعملية "طوفان الأقصى" إن لم يكن مطلعاً على ما يدور في العالم والمنطقة العربية والإقليمية من أحداث سياسية وعسكرية، حتى يتمكن من ربط الأحداث، وتحقيق أفضل النتائج القريبة للواقع.

إن ما تلقّاه جيش الكيان الصهيوني من ضربة عسكرية من المقاومة الفلسطينية حماس في ٧ أكتوبر 2023م يعدّ إنجازاً عسكرياً لا مثيل له في تاريخ الصراع العربي الصهيوني؛ فهذه العملية وتوقيتها وجغرافيتها وما حققته خلالها يعتبر تقدماً كبيراً وهاماً في مستوى قدرات المقاومة الفلسطينية وإمكانياتها رغم فارق القوة والميزان العسكري والأرض والجوار.
8- عملية طوفان الأقصى؛ وقادة المقاومة الفلسطينية وضعوا كلَّ الاحتمالات لنتائج عملية "طوفان الأقصى" وما بعدها؛ ليعلم العرب حقيقة أمريكا ودول أوروبا، وليدركوا حجم المؤامرة على الأمة العربية والإسلامية وفلسطين، وأن هناك شرقَ أوسطٍ جديد تخطط له أمريكا ودول أوروبا، وليس هناك أبلغ من ردة فعل الكيان الصهيوني ضد فلسطين وغزة والإسلام انتقاماً لما حققته عملية "طوفان الأقصى" ضد الكيان الصهيوني وتريد أمريكا أن تعيد المشهد الذي حدث لها بعد تفجير البرجين في سبتمبر ٢٠٠٠م ، وما صرح به السنياتور الديمقراطي في الكونغرس الأمريكي أن الهجمات على إسرائيل هي استفزاز واضح لأمريكا .
9- المقاومة الفلسطينية كشفت كلَّ الأوراق والمؤامرات التي تحيكها أمريكا وأوروبا وحلف الناتو على العرب واليمن والمنطقة بأكملها منذ افتعال الأزمة الروسية الأوكرانية، ومروراً بالسودان، والحرب والعدوان على اليمن، والجرائم الأمريكية في العراق، وحقيقة الحرب والعدوان على سورية. ولعل هذه الحقائق تعيد السعودية والإمارات والمغرب وعمان والأردن وتونس إلى الحضن العربي ومظلة القومية العربية، وأن يستوعبوا الرسالة التي أرادتها أمريكا وإسرائيل.
10- عملية "طوفان الأقصى" كشفت أبعاد الوجود الأمريكي في البحر العربي وخليج عدن وباب المندب، وسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وإدخال أساطيل أمريكية جديدة إلى المنطقة، وأن أمريكا كانت قادمة على تنفيذ عملية عسكرية ضد دولة إيران الإسلامية وضد المقاومة الفلسطينية في وقت واحد، ولم تكن هدنة اليمن، وإعادة العلاقات السعودية الإيرانية، والسعودية السورية والسعودية الروسية إلا في سبيل الخطوة القادمة وهي النيل من إيران وإسكات المقاومة الفلسطينية نهائياً، ولكن جاءت عملية "طوفان الأقصى" لتغير مجرى الأحداث التي رسمتها أمريكا في المنطقة؛ فأدخلت أمريكا وإسرائيل في حالة من الإرباك والقلق والتوتر؛ لأن هذه العملية أفشلت كل مخططاتهم التي كانوا يعدونها منذ بدء الحرب على اليمن والربيع العربي، فكانت هذه العملية بمثابة عملية مخابراتية عربية فلسطينية إيرانية فاقت تخطيط وتدبير أمريكا، رغم أن الله -عز وجل- هو الذي هيأها في هذا الوقت لإفشال المؤامرة، وكشف كل خيوطها وأبعادها، وما وجود الأساطيل الأمريكية في البحر المتوسط إلا دليل على ذلك وحديث الرئيس الأمريكي جون بايدن في ١٧ من أكتوبر ٢٠٢٣ م والتي نشرتها جريدة  اليوم  السابع المصرية التي يقول " ان ما حدث في اسرائيل يشكل ١٥ ضعفا لما حدث في  ١١ سبتمبر، وهذا يؤكد ان امريكا تريد ان تعزز فكرة احتلال قطاع غزة بأكمله واخراج مواطنيها وتهجيرهم بحجة ان ما قامت به حماس يندرج ضمن مخطط القاعدة والجماعات الارهابية  وان حجم عملية طوفان الاقصى اكبر بكثير من استهداف البرجين بخمسة عشر ضعفاً واحتلال غزة لن يكون اكبر من افغانستان.
11- عملية "طوفان الأقصى" كشفت أبعاد إعادة انتشار القوات الأمريكية في السواحل اليمنية الشرقية والجنوبية وباب المندب والبحر العربي، وإدخال قوات فرنسية وبريطانية إلى القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ووجود قوات إسرائيلية في جزيرة عبد الكوري في سقطرة، وكل ذلك لتأكيد الاستعدادات الأمريكية وحلف الناتو وأوروبا على القيام بعمل عسكري كبير وواسع ضد إيران والمقاومة في فلسطين، ووضع الاحتمالات بعدها للمواجهة مع روسيا، وكسر شوكة الحلف الشرق آسيوي.
12- إن الأهداف التي طالتها عملية "طوفان الأقصى" كانت حساسة، وكانت معدة لمواجهة أكبر بكثير جداً من المقاومة في فلسطين، وأن فرقة غزة العسكرية ١٤٣ كانت في موقعها لتعزز من الوجود الأمريكي في المتوسط، ولكن الصدمة التي تعرضت لها اسرائيل بانهيار هذه الفرقة تماماً وإخراج الفرقة العسكرية الصهيونية من الجاهزية نهائيا أربك أمريكا ومخططاتها، وفضح كلَّ التقديرات الصهيونية للمواجهة القادمة والمحتملة؛ فكانت عمليه طوفان الأقصى عمليةً استباقيةً نوعية مما جعل امريكا تنفرد بقرارها مباشرة في ارسال قواتها الى البحر المتوسط وانه لا يجب الرهان على التوقعات والتكهنات عن قدرات حماس او من يساندها في هذه العملية ، فكان التحرك الامريكي بذلك المستوى هو الدخول في حرب مجهولة دون ادنى مستوى للتخطيط والعواقب المحتملة وهذا مؤشر على حجم ومستوى العلاقة والروابط المصيرية  بين امريكا والكيان الصهيوني والذي يؤكد  انهما  كيان واحد وانتماء مصيري واحد.
13- إن إفراط الكيان الصهيوني في ضرب قطاع غزة وتدميرها، وإبادة سكانها، واستخدام الفوسفور الأبيض المحرم دولياً، واستخدام قنابل ذات قدرات تدميرية عالية على أهداف إنسانية ومحمية  بالقانون الدولي والإنساني، والاستمرار بالإبادة الجماعية لكل أبناء قطاع غزة ما هو إلا تأكيدٌ على أن عمليه طوفان الأقصى كانت العملية العسكرية الأكبر في تاريخ الكيان الصهيوني، وما هذه الجرائم المرتكبة على القطاع إلا لتغطية خسارة الكيان الصهيوني وتعريته أمام العالم وأمام كل يهود العالم، وأن المقاومة الفلسطينية انتصرت انتصاراً ساحقاً على الجيش الذي لا يُقهر، وأذلت كبرياءه، ومرغت أنفه في التراب، وأسرت المئات من جيشه وقتلت أكثر من ١٤٠٠ صهيوني، فكانت الرسالة التي لا تستطيع أمريكا وإسرائيل وكل حلفائهم شطبها من التاريخ العربي المعاصر وتاريخ المواجهة مع الكيان الصهيوني ان اسرائيل كيان غير شرعي ومغتصب للأرض الفلسطينية وان فلسطين عربية والمقاومة الفلسطينية شرعية وان مقاومة المحتل والمغتصب شرعته كل قوانين ودساتير العالم وعلى راسها القانون الدولي والانساني المادة ( ٢٦ ) والمتضمنة انه من حق الشعوب المحتلة ارضها او اجزاء منها ان تقوم بأعمال المقاومة المسلحة ضد المحتل وان تستخدم كل امكانياتها في ذلك.
الخلاصة:
1- من المعيب على أمريكا أن تدعم إسرائيل بهذا المستوى العالي المتمثل بالحضور العسكري الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط، وزيارة رئيسها (جو بايدن) ووزير خارجيتها إلى إسرائيل للوقوف أمام هجوم المقاومة على غلاف غزة، فهذا الدعم وضع أمريكا أمام مغامرة بسمعتها لدعم دولة عظمى كما يدعون (إسرائيل)، فهل هذا سبب كافٍ لأن تتدخل أمريكا بشكل مباشر خوفاً من حماس والمقاومة.
2- عملية "طوفان الأقصى" سوف تؤثر بشكل كبير على أفق التطبيع مع الكيان الصهيوني وتصريح الادارة الامريكية بقولها " ان الجماعات الارهابية مثل حماس لن تكون قادرة على تحقيق تأثير مثل هذا على افق التطبيع ، وهذا التصريح يؤكد مخاوف امريكا من تحرك عربي او اسلامي لإفشال المساعي الامريكية في التطبيع والذي حقق انجازا كبيرا في طريق استكماله مع السعودية والامارات  والبحرين وعمان ولا تستبعد امريكا نشاطا للجماعات الاسلامية بالقيام بأعمال عسكرية ضد حكوماتها الواقعة تحت الضغط الامريكي الاسرائيلي ،من اجل عرقلة المشروع الامريكي للتطبيع .
3- القصف العشوائي على غزة، والإفراط في استخدام الذخائر عليها هو لتغطية الإخفاق الذي حصل في جيش الكيان الصهيوني وحجم الفشل الأمني والمخابراتي  .
4- الكيان الصهيوني وجيشه يحاولون تغييب الحقائق عن مستوى المقاومة وكفاءتها في التخطيط العسكري الذي جعل المقاومة تتميز بشكل كبير في إسقاط قدرات إسرائيل وحواجزها الدفاعية، وتسعى إسرائيل إلى لفت الأنظار إلى قدرة إسرائيل في الرد على المقاومة والانتقام وان عملية طوفان الاقصى على المستوطنات الاسرائيلية دون اكتشافها اثار مخاوف امريكية اسرائيلية بشأن تلك النقاط التكنلوجية العمياء بالنسبة لجانب المخابرات الامريكية والتي كانت تعتقد انها ضمن المستحيل اختراقها .
5- إسرائيل بارتكابها جرائم إبادة لقطاع غزة من أجل العقاب الجماعي لكل أبناء قطاع غزة؛ لأن رجال المقاومة وكتائب القسام وسرايا القدس هم أبناؤها، وعليها دفع الثمن؛ كون غزة أخرجت هؤلاء الرجال الأبطال، وأن غزة سوف تورّث هذه الشجاعة والبطولة إلى أجيالها جيلاً بعد جيل.
6- مهما حاولت إسرائيل من قصف غزة وتدميرها والانتقام للفشل الذي حدث للجيش الصهيوني وتوسيع دائرة الرد العسكري وأي خيار عسكري للكيان الصهيوني لن يعيد الأيام للوراء؛ فحماس وجهت ضربة استراتيجية للكيان الصهيوني لن يتعافى منها أبداً مهما حاول أن يلفت الأنظار إلى حجم قوته وانتقام جيشه.
7- المقاومة الفلسطينية (حماس) نجحت في خداع الكيان الصهيوني، وتمكنت من إقناعه ليكون في وضع الاستجمام والسبات، وأن المقاومة لا تفكر بأي عمل عسكري، وهذا يعتبر خداعاً استراتيجياً، وتمويهاً كما حصل في حرب 73، من خداع الجيش المصري له بأنه لا ينوي القيام بأي عمل عسكري، وأرسل ضباطاً لأداء فريضة العمرة.
8- أنزلت حماس بأمريكا وأساطيلها في البحر المتوسط وأذلتها بجعل أمريكا -الدولة العظمى- تدخل بكل قدراتها لتقديم المساعدة لإسرائيل، وهذا العمل أكد أن أمريكا فعلاً كانت تحسب للمقاومة الإسلامية ألف حساب، ويقدرون ما هو أكبر من "طوفان الأقصى" في القريب العاجل ، بل وثقتها بأن العرب والمسلمين قد يتحركون في اي وقت ضد امريكا ووجودها في الارض العربية وانهم اي العرب قنبلة موقوتة قد تنفجر في لحظة وان اسرائيل وامريكا كيانان لم يستسغهما العرب منذ  القدم حتى الغرب يرى تاريخيا ان اليهود هم احقر من في الارض وان وجودهم خطرا على كل البشرية وتاريخ اوروبا حافلا بتلك الاحداث التي كانوا يطردون اليهود من بلدانهم وكان اخرها  طردهم الى فلسطين المحتلة كأرض لهم  ووقوف اوروبا اليوم مع امريكا واسرائيل للبقاء والدفاع عن موطنهم المغتصب إلا لكي لا تتكرر عودتهم الى أوروبا والمناطق التي رحلوا منها.
9- أمريكا لن تفوت هذه الفرصة، وستقوم بالتخطيط والإعداد لخلق أساليب اخبث لمحاربة  الاسلام وسوف تعمل بكل طاقتها لابتكار سبل جديدة لرفع التصعيد الأمريكي والدولي في الحرب على  المقاومة الإسلامية ليس في فلسطين فقط وانما في كل الاقطار العربية والاسلامية التي تشعر بالخطر منها وعلى رأسها مصر وسورية والاردن واليمن والعراق وفلسطين نفسها وايران وافغانستان وليبيا .
10- المقاومة الفلسطينية وضعت الزعماء العرب في موقف محرج، وفرضت عليهم اتخاذ قرارات صعبة؛ فإما أن يختاروا الوقوف مع القضية الفلسطينية وخيار المقاومة، فيظهروا بمظهر قوي ومحترم أمام شعوبهم ودول محور المقاومة، أو يختاروا الوقوف مع أمريكا والمجتمع الدولي لمساندة إسرائيل والوقوف ضد المقاومة الفلسطينية، وسيظهرون بمظهر الضعيف أمام شعوبهم ومحور المقاومة، وبالتالي فهذه الاستراتيجية التي قامت بها المقاومة (حماس) تعد إحدى سبل وطرق المقاومة وأوراقها، وفي الوقت نفسه تعتبر استراتيجيةً خطيرةً اتخذتها المقاومة الفلسطينية والتي من شأنها تعزيز موقف إسرائيل وأمريكا ضد القضية الفلسطينية والمقاومة، ورفع مستوى الحضور الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة، ورفع مستوى السقف على الدولة الفلسطينية والمقاومة (حماس) في كثير من الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية، وقد تلجأ إسرائيل إلى فرض واقع بإخلاء غزة، وتهجير سكانها بموافقة عربية وتأييد أممي حفاظاً على الطرفين وحينها قد تتدخل المنطقة باسرها في صراع وحرب قد تطول وتتوسع دائرة الصراع والمواجهة الى ابعد مما تتوقعه امريكا واسرائيل وأوروبا.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا