كتابات | آراء

مقاربات أولى لفهم الحالة السياسية اليمنية

مقاربات أولى لفهم الحالة السياسية اليمنية

  يبدو أن الزمن يسير بخطى متسارعة ,فلا يكاد المرء يلتقط أنفاسه حتى يرى أحداثا ومستجدات تعمل على قلب كل التصورات العالقة بذهنه,

ويبدو أن ايقاع الزمن لم يعد هادئا ولكنه أكثر صخبا , وأكثر تسارعا في تدفق أحداثه وتغير مساراته , ولذلك لم يعد للهدوء مكان في قاموس الزمن الحضاري الجديد ,فالتقنية جعلت من الحياة أمراً ميسراً وسهلا ولكنها بسرعة  زمنها ,ودقة عملها وجودته , ولذلك فالخطأ لم يعد مقبولا , والتباطؤ  لم يعد مقبولا أيضا , ولابد من التناغم مع سرعة الزمن , ودقة معلوماته حتى نتمكن من السيطرة على مقاليد الاحداث .
ففي المشهد السياسي اليمني  تكاد الصورة أن تتغير بين غمضة عين وإنتباهتها , فالانتقالي في الجنوب يسير بخطى الواثق الى ترتيب أوضاعه بمساندة حكومة الرياض "الشرعية "-  من حيث تدرك ومن حيث لا تدرك - وبرؤية واضحة الخطوات ترمي الى فرض خيار الانفصال كأمر واقع في الجنوب,  من خلال ترتيب وضع المؤسسة المالية , وفرض الحزام الأمني والعسكري  الى حدود ما قبل الوحدة اليمنية ,ومحاولة الفرز للفصائل , والتهجير للشماليين , وتصعيد خطاب عدائي ضد الشمال , وضد الوحدة الوطنية , وبدأت الساحة الجنوبية تشهد صراعا بين الإمارات وقطر , فضلا عن التنافس بين السعودية والأمارات , وتنوع الولاءات في الجنوب بين السعودية , والامارات , وقطر , هدف استعماري واضح ,  بصرف الانظار عن القواعد العسكرية  في ميون , وسقطرى ,وفرض الهيمنة على باب المندب , وتمكين السعودية في المستقبل من مد خط تصدير للنفط عن طريق  الموانئ اليمنية , حتى تكون خياراتها متعددة في حال سيطرت ايران على الخليج العربي "الخليج الفارسي" , أو أغلقته - بحكم تطورات الصراع الى حرب مباشرة - أمام السفن  السعودية  , ومع تقاطع المصالح بين السعودية والامارات من جهة ,وبين قطر من جهة أخرى, تصبح المعادلة اليمنية أكثر تعقيدا , فاللاعب الذي يدير رقعة الشطرنج - وهو المستعمر البريطاني والامريكي ومن ورائهما اسرائيل - يريد أن يجعل من الجنوب اليمني بؤرة متقدة لا يهدأ  أوارها ,لأن حرب الجيل الرابع ذات مستويات متعددة في الاستراتيجية الغربية ..فهي ذات أبعاد اقتصادية ,وثقافية ,وعسكرية , ولذلك كان الاشتغال على تمكين التناقضات من إدارة صراعها على أرض الجنوب من باب السيطرة على مقاليد المستقبل.
فالصورة الواقعية اليوم مع ظروف الحرب ,هي أن الجنوب لا يكاد يمت بصلة للشمال ,وما بينهما بون شاسع , وحجم التناقضات يزداد اتساعا كل يوم , والهوة العميقة في المسار النفسي والمسار الاجتماعي  تزداد عمقا وتباينا , وبذلك تصبح قضية الوحدة الوطنية قضية مزايدة ليس أكثر, فقد تجاوزت فكرة المشروع الى فكرة عقدة المنشار , ولا مصلحة للشعب في الشمال ولا في الجنوب في الاستمرار في هذا المسار , فالقاعدة التشريعية التي توافق عليها الفكر التشريعي الاسلامي تقول: دفع الضرر مقدم على جلب المصالح, فالمصلحة المتحققة من الوحدة ضررها أصبح أكبر , ومن هنا تصبح الوحدة تناقضا وضررا وليس مشروعا جامعا يفيد اليمن وشعب اليمن , وهذا هو الحال الذي سعى اليه بعض أبناء الجنوب وكان الاشتغال عليه من قبل المستعمر الغربي اشتغالا استراتيجيا عميقا, فقد وظف المعلومات بما يكفل له المصالح المرسلة ,ويكفل ثنائية الهيمنة والخضوع .
ولا يبدو الأمر أكثر وضوحا في الشمال وإن كان يبدو للرائي من أول وهلة واضحا دون لبس لكنه أكثر غموضا منه في الجنوب الذي برزت تناقضاته على السطح ,ذلك أن العدوان ستر الكثير من التناقضات في الشمال تحت رماد أحداثه ,لكن تلك التناقضات سوف تفصح عن نفسها بعد أن تضع الحرب اوزارها ,باستثناء تعز, والجوف, ومأرب .
في المحافظات التي تشهد صراعا اليوم (تعز ,مأرب, الجوف) أصبح الصراع يشكل امتدادا لما هو مثيل له في الجنوب , ويبدو أن الاخوان هم الحلقة الأضعف في سلسلة الأحداث , وهم الجماعة التي سوف يستهدفها الصراع بالتحجيم , والتقليل من الدور والفاعلية والقيمة والمعنى , ولعل غباء الإخوان قد ساهم في هذه النتيجة التي وصلوا اليها سواء في الجنوب أو في المحافظات المذكورة , ويمكن أن يقال في الشمال كله وقد كان موقف  اليدومي في هذا الشأن واضحا فهو يرفض الاستقرار, وقد قال – في منشورات على شبكة التواصل الاجتماعي - أن حزبه لن يجلس على قارعة الطريق , ولكنه سيكون حاضرا في صناعة المستقبل , وقد بدأت تلك الاشارات تؤتي أكلها من خلال حركة الاغتيالات التي تحدث لرموز السلفية والصراع البيني المسلح في أكثر من مكان في اليمن .
والصورة التي تبدو للمراقب العادي في صنعاء هي التباين الواضح بين المؤتمر وأنصار الله ,في الاسلوب ,,وفي الرؤية ,وفي طرق المعالجة , والمتابع يرى هروب كل طرف من مواجهة استحقاقات الزمن الاستثنائي الذي تمر به اليمن , وتبادل الاتهامات لا نراه يخدم عملية التوافق والشراكة بين المكونين الوطنيين –انصار الله والمؤتمر – كما ان الاستغراق في المقدمات لا يخدم النتائج الا بأثر سلبي وقد يكون ذلك الاثر مدمرا وباعثا على تجدد الصراع بصورة أو بأخرى .
من جانب آخر تبدو ثقة الطرفين ببعضهما غير متوفرة , والشكوك تحيط بكل طرف وثمة عوامل مساندة لتلك الشكوك يعمل فيها طرف ثالث بهدف زرع الشقاق , وخلق التباينات , ليفرد لنفسه مساحة حرة يستطيع من خلالها ادارة اللحظة , والسيطرة على مفردات الصراع , ورغم محاولاته وسعيه الحثيث الا أنه مازال عاجزا عن توسيع دائرة المساحة فهي كلما اتسعت ضاقت عليه بوعي العقلاء , فقد اتسعت مشكلة همدان وما لبثت أن ضاقت , واتسعت مشكلة البيضاء بين آل عوض وانصار الله وما لبثت الا قليلا حتى ضاقت , لكن استمرار الاشتغال سيجعل الخرق يتسع أذا استمر الاعلام في النفخ في دائرة التباينات ومثل ذلك ملحوظ في وسائل الاعلام المقروء والمسموع .
صناعة المستقبل تتطلب وعيا حقيقيا وتجردا موضوعيا وهي فكرة قابلة للتحقق اذا صفت النوايا , وتم التوافق على أسس وطنية واضحة في الشراكة , ووضع رؤية ذات عمق استراتيجي وطني يخدم البناء ولا يسعى للهدم .
أما موضوع الحرب  فلن يستمر كثيرا, فدول العدوان تبحث عن مخرج , ومرتزقة الرياض هم الآن في أسوأ الاحوال , والصراع الجديد بدأ يتحدث عن صورة أخرى عما كان عليها الحال في بدايته , ويمكن الاستفادة من الواقع الجديد - اذا توفر الوعي السياسي الذي يقتنص الفرص في اللحظات الزمنية الفارقة - لتحقيق عوامل انتصار جديدة في المسار العام ,سعيا على حصار العدو في دوائر ضيقة , من خلال الاشتغال على دوائر تناقضاته وخلافاته , واستغلال الكتابات التي تتناوله في الصحافة العالمية , وتضييق مساحات تحركه على الأرض , فالحرب ليست جبهة مواجهة في الخطوط الأمامية ولكنها حرب ذات مستويات متعددة علينا الاستعداد لمواجهتها في كل المستويات وكل مستوى من المستويات له أدواته وسلاحه وله رجاله والوعي بالضرورة يفرض الادوات .  
دوليا .. يشعر المجتمع العالمي بقلق من الحرب في اليمن , ويجد أن الخروقات في القانون الدولي تنعكس بشكل سلبي على سلطة المجتمع الدولي , ويشعر بفقدان الصورة المثالية التي رسمها الزمن في التصور الجمعي العالمي , ويرى الكثير أن ما تقوم به السعودية من شراء للضمير العالمي بالأموال قد يشجع أطراف مماثله على سلوك هذا الطريق , وبذلك ينفرط العقد المتماسك للقانون الدولي , ويعود العالم الى حروبه التي تجاوزها في منتصف القرن العشرين , ويقولون إن في السكوت على استمرار السعودية في حربها العبثية والتي تتصف بعدم نزاهة الضمير وبالجنون في التدمير والقتل تهديد مباشر للنظام الدولي ولمصالح الدول .

الخلاصة
كل حركة الواقع اليوم تصب في صالح القضية اليمنية , وهي تحتاج شعورا مضاعفا بالمسؤولية الوطنية , وتجردا موضوعيا للقضية , وترفعا عن الصغائر , وتحتاج توافقا واعيا وبصيرا.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا