كتابات | آراء

لماذا تلهث إسرائيل وراء الهدنة الآن.؟!

لماذا تلهث إسرائيل وراء الهدنة الآن.؟!

قد يقول قائل أن إسرائيل لم تطلب ولم تسع إلى الهدنة التي يجري الحديث عنها هذه الأيام وإنما ذلك يأتي في إطار المساعي التي يبذلها المجتمع الدولي وفي المقدمة الوسطاء من العرب والمسلمين ولأسباب إنسانية بحتة كما يروجون لذلك في أحاديثهم وتصريحاتهم.

هكذا يبدو الأمر ظاهرياً على الأقل.. لكن من يفهم حيل وألاعيب ومكر اليهود و الصهاينة ويجيد قراءة الأحداث والمعطيات على الأرض يدرك تمام الإدراك أن مبادرة الهدنة مهما بدت في ظاهرها تحمل طابعاً إنسانياً إلا أنها لا يمكن أن تكون بعيدة أو بمعزل عن رغبة العدو وداعميه الكبار وعلى رأسهم وفي مقدمتهم بايدن رأس الخداع والمكر الصهيوني..
لأنها في الواقع أي الهدنة- تمثل بالنسبة للعدو وكما أشرنا في مقال سابق مخرجاً مناسباً من المأزق العسكري والسياسي الذي وصل إليه نتيجة فشله في إدارة الحرب وعجزه عن تحقيق أي من أهدافها المعلنة وما يتعرض له جراء ذلك من ضغوط داخلية وأخرى خارجية (عالمية) كبيرة تطالب بوقف العدوان وهو لذلك يرى أن الهدنة ستمثل له فرصة للتخلص من هذه الضغوط أو معظمها عبر الإفراج عن عدد من الأسرى والسماح بدخول المساعدات والغذاء والدواء إلى قطاع غزة و فق ما تنص عليه بنود الهدنة.. كما يرى أنها ستتيح له الفرصة لإعادة ترتيب صفوف قواته المنهكة جراء طول أمد الحرب والخسائر الكبيرة التي مُنيت بها ومن ثم يستأنف عدوانه وبوتيرة أشد لعله بذلك يحقق ما عجز عن تحقيقه سابقاً- هذا أولاً..
أما ثانياً: وهو الأهم فإن العدو الإسرائيلي يسعى إلى الهدنة في هذا التوقيت بالذات تزامناً مع حلول شهر رمضان المبارك.. فلأنه يدرك تمام الإدراك من خلال قراءته للتاريخ الإسلامي ماذا يعنيه شهر رمضان بالنسبة للمسلمين..
فهو شهر الجهاد في سبيل الله.. شهر الانتصارات العظيمة والفتوحات.. شهر يُقبل فيه المسلمون على الجهاد بعزائم وهمم مرتفعة وبانشداد وإقدام وصبر وثبات وتحمل لا نظير ولا مثيل له في سائر الأشهر.. شهر لم يخُض فيه المسلمون معركة مع أعداء الله إلاّ وكان النصر المؤزر حليفهم، ومن أشهر المعارك التي خاضها المسلمون وانتصروا فيها في شهر رمضان المبارك (غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة وفتح مكة في 20رمضان من السنة الثامنة للهجرة- فتح البويب وسيوف المثنى سنة 13هجرية ومعركة القادسية سنة 15 هجرية وفتح الأندلس سنة 92 هجرية ومعركة بلاط الشهداء سنة 114 هجرية) ...الخ..
وهو لذلك يحرص على التوصل إلى هدنة في شهر رمضان المبارك حتى لا يستفيد المجاهدون في غزة من روحانية الشهر الكريم في تعزيز عوامل الثبات والنصر على قواته..
لكن في النهاية فمهما كانت مخاوفنا تبدو منطقية من أن إسرائيل ستكون هي المستفيد الأكبر من الهدنة فإن أوضاع أبناء غزة ومعاناتهم يجب أن تتقدم على كل ما سواها من المخاوف والحسابات وهم وحدهم أبناء غزة من يقررون ما يجب أو لا يجب عمله لا غيرهم لأنهم وحدهم من واجهوا وتصدوا للعدوان الصهيوني الوحشي وكانوا جميعاً شعباً ومقاومة.. أطفالاً ونساءً.. رجالاً وشيوخاً أهدافاً ومسرحاً لعملياته القذرة وهم وحدهم من ذاقوا مآسي وويلات الحرب واكتووا بنارها على مدى خمسة أشهر قدموا خلالها قوافل من الشهداء والجرحى وشردوا وجُوِّعوا وسيكونون عند مستوى التحدي في كل الميادين..
أما نحن كعرب ومسلمين فإن الواجب الديني والأخلاقي يحتم علينا نصرتهم وأن نتحرك للوقوف معهم، لا أن نقف كأمة عاجزين حتى عن إيصال المساعدات.. ثم نأتي لنقول لهم كما قال بنوا إسرائيل لموسى: "فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ".

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا