كتابات | آراء

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «36»

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «36»

لم تكن العوامل الداخلية البحتة هي التي أدت إلى خضوع القبائل لآخر الأئمة كما أنها لم تكن أسبابها خارجية على شكل التجارة أو الغزو على سبيل المثال وهو ما شهدته اليمن من قبل ولكن الأهم من ذلك هو أن بعض اليمنيين قد اكتسبوا وجهة نظر مختلفة عن السابق فيما يتعلق بمكانة اليمن بين البلدان الأخرى

الأمر الذي كان له بدوره آثارا على القبائل داخلها لقد استمر الكثير حتى يومنا هذا لكن المرء يربط بين أن الأمر نفسه ينطبق على القبيلة في اليمن كما ينطبق على الممارسات الدينية التي كتب عنها المؤرخين في دول عربية أخرى في نفس الحقبة الزمنية و بما أن اللغة التي يتم التعبير بها عن المعتقدات لا تزال كما هي فإن ما يثير الإعجاب هو استمرارها لكن الاختلافات في السياقات التاريخية تجعل المعتقدات نفسها مختلفة بشكل أساسي ومن الصعب الحكم من منظور الحاضر ولكن ليس هناك شك في أن السياقات قد تغيرت ليس أقلها بمعنى أن القبائل وللمرة الأولى أصبحت تشكل الآن جزءًا من تحرك وطني واضح لذلك بدأ ظهور اللغة السياسية القومية .
كان الإمام يحيى (1904- 1948م) شخصية يمكن قياس نقاط قوتها ونقاط ضعفها على حد سواء بالمصطلحات المطبقة على أتباعه البعيدين أو الأسلاف ، بهذه المعايير كان رجلاً يستحق الاحترام لكن العالم من حوله تغير بشكل غير معروف عندما انسحب الأتراك ربما كانت لديه فرصة لترك بعض العلامات في العالم العربي الأوسع لكنه تبنى سياسة انعزالية وضعت اليمن جانبًا عن الكثير مما كان يحدث في أماكن أخرى وكان لا بد من ظهور التناقضات في العقود التالية وليس أقلها في الحياة الثقافية للبلاد وبينما تزايد القلق بشأن الهوية العربية العامة في جميع أنحاء المنطقة بدا أن اليمن يتجه في الاتجاه الآخر وعلى الرغم من أنه ليس هناك تقريرًا دقيقًا عن كيف كانت الأمور فإنه مع ذلك عبارة مهمة كانت متداولة في تلك الأيام وهي أنا كنا نظن أن الشمس أشرقت في مأرب وغربت في الحديدة وهو دليل عن انقطاع اليمن عن العالم الخارجي وابتعادها عن الصراعات في المنطقة ، إن العلامات التي تشير إلى وجود منظور مختلف لموقف اليمن ملحوظة في وقت مبكر جداً على سبيل المثال فإن التاريخ الوسيط الذي كتب في عشرينيات القرن الماضي والذي يعد عملاً كلاسيكيًا في بعض النواحي يذكر فجأة في بداية عام 1896م تقارير صحفية عن انهيار أرضي في أمريكا وخبر آخر عن وفاة عشرين ألفًا من الأطفال المرضى في فرنسا وهي أخبار كانت نادرة الذكر في اليمن في تلك الحقبة وفي المدخل لعام 1909م يقدم وصفًا لرسالة من الإمام إلى الأتراك العثمانيين تمت طباعتها في إحدى الصحف المصرية ثم عدة مقالات أخرى عن اليمن من الصحافة العالمية وتقرير عن اليمن في صحيفة تركية وبعد عقود استشهد احد المؤرخين لنفس الفترة بعدد من التقارير الصحفية الأجنبية ومقالات رشيد الريدي ورسائل إلى الإمام من المسلمين في الشرق الأقصى ، لقد أصبح تقدير الدولة لذاتها مرتبطاً بتقديرها من قِبَل الآخرين والتي تشترك فيها الهويات الوطنية في كل مكان ومن داخل هذه المجموعة من الأفكار وتصبح الأفكار المقارنة حول الحداثة أو التقدم أو التخلف منطقية وهذه الأفكار تحدد العصر الحديث وأصبحت صورة القبائل على أنها متخلفة أو قديمة مقنعة لكن اليمن نفسه كان يشعر من قبل الكثيرين بأنه متخلف وقد تمت مناقشة هذا الأمر في وقت مبكر من قبل المثقفين وغالباً ما يعود تاريخ ظهور المعارضة الحداثية إلى عام 1935م مباشرة بعد الحرب مع السعودية حيث يقال إن السيد أحمد المطاع هو الذي أسس هيئة النضال وهي جماعة النضال الناشئة بشكل عام بين الشباب ولكن بعد فترة دخلوا في خلافات حول من سيخلف الإمام يحيى والإمام يحيى نفسه وبشكل شبه حتمي بالنظر إلى نظام الحدود الوطنية الذي ظهر في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى أصبح ملك اليمن وكذلك الأمير أحمد بن يحيى حميد الدين الإمام فيما بعد .
لقد تم ذكر أن الإمام يحيى بالفعل قد قاد عدة حملات ضد القبائل في وقت مبكر جداً لكن العداوات التي اكتسبها من تلقاء نفسه استكملت عندما قام باختيار الأمير أحمد لمنصب ولي العهد وتمت ترقيته على حساب أقاربه المباشرين وعائلات السادة الأخرى وخاصة بيت الوزير الذي زود الإمام يحيى بقادة عسكريين مشهورين وأخيرًا انتزع يحيى بيعة رسمية لأحمد في عام 1937م وفي هذه الفترة تقريبًا ذهب محمد الزبيري الذي أصبح بطل إيديولوجية الجمهورية العربية اليمنية للدراسة في القاهرة وعندما عاد إلى اليمن عام1941م سُجن لفترة بسبب حديثه المثير للفتنة ولكن بعد إطلاق سراحه انضم إلى زمرة من المثقفين الذين جمعهم ولي العهد الأمير أحمد حول نفسه في تعز ولم تنكسر التعويذة هناك إلا عندما انفجر أحمد الذي من المفترض أنه في نوبة مزاجية قائلاً أسأل الله ألا أموت قبل أن ألوّن سيفي هنا بدماء الحداثيين وفر العديد من الحداثيين إلى عدن التي كانت تحت الاحتلال البريطاني حيث سرعان ما تولى الزبيري وأحمد النعمان رئاسة حزب الأحرار وانضم الإصلاحيون الليبراليون إلى عبد الله الوزير عام 1948م.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا